كتب شربل داغر في صحيفة “نداء الوطن”:
أمتنعُ، منذ سنوات بعيدة، عن استعمال لفظ: “الثورة” في كتاباتي، سواء في السياسة او في في الأدب.
فما كان انقلاباً، منذ خمسينات القرن المنصرم، جعلناه بقدرةِ قادةِ الانقلاب: “ثورة”.
اما الثورة التي يحيل إليها الأدب السياسي، أي الثورة الفرنسية، فنحن نعرف أن أقوى جنرالاتها، بونابرت، انتهى إلى أن يصبح امبراطوراً؛ ولما لم يجد أحداً مناسباً لتنصيبه، حملَ التاج بنفسه وجعلَه على رأسه.
هذا ما جعلني أيضا أنتقد تسمية “الثورة” في “الربيع العربي” بعد شهور قليلة على قيامه، مطلقا عليه تسمية: الحراك.
هذا ما جعلني أتحدث في الأيام الجارية من الغضب الوطني اللبناني العارم، بوصفه “انتفاضة”.
الا أن ما يعنيني، بعيدا عن صحة التسمية من عدمها، هو ما يحصل في الشارع والساحات، وأشترك فيه، وأبتهج لحصوله، وأعمل على تطويره.
ما يحصل تاريخي. ما جرى قبل، لن يشبه ما سيجري بعد.
ما يحصلُ يراكمُ فشل السياسات السابقة، لجميع القوى السياسية، ويشير إلى تقدم حقيقي في تناول السياسة: فقد دارت الصراعات تلو الصراعات السابقة حول هوية الدولة، وهوية الكيان، والأيديولوجية هذه او تلك… من دون أن تتناول فعلياً، لا شعاراتيا، أساس السياسة: مصالح الجمهور.
لهذا ما يحصل اليوم، يمكن البناء عليه، ويمكن تطويره، والعمل على تثميره، بما يجدد تشكيلات للسياسات عرفنا بعض تجلياتها الجنينية في عهود التحكم الأجنبي ببلادنا.
ذلك أن وجع الناس، له أن يكون شريان السياسة. وهو ما لا يتم بالانتفاض فقط، بل ببناء تصورات جديدة للاجتماع السياسي، لمعاني الوطنية والديموقراطية، على أن يكون الجمهور متكفلاً بهذه التجارب. فمن دون ان ينضوي الجمهور في تجارب سياسية، في تشكيلات جديدة، تبقى السياسة مرهونة بألعاب السياسيين في التحكم والانتفاع.
لهذا هو مسار طويل، ولا مناعة له، ولا تقدم أكيدا له، من دون اندماج الجمهور فيه، على اساس ما يجمعه: المصالح العامة.
فإذا كان الوعي يتنامى، وشجاعة العمل المدني تزداد، فإن ما يثبتها أمران: بلوغُ الأهداف صيغة القوانين، وتكفلُ الجمهور بحراسة هذا التقدم الحاصل.
فما جعل المستبدون يستبدون إلى هذا القدر… وما يجعلهم، اليوم، لا يبالون بما يجري، ولا يصدقون قوته الأكيدة، هو انهم اعتادوا على سكوتنا، وعلى تسليم أمورنا لهم عقوداً بعد عقود.
ما كان قبل، لن يستمر بعد… وهذا مرهون بإرادة المنتفضين الجامعة والصلبة والسلمية.