كتب عماد موسى في صحيفة “نداء الوطن”:
أصبح عقل اللبناني متخماً اليوم بمفردات مثل الـ”تكنو”، والـ”تكنو ـ سياسية “، و”التكنوقراط” و”حكومة أخصائيين” ولكثرة ترداد هذه المفردات بات المواطن يشعر أنه في خضمّ احتفالية خصي فحول على موسيقى إلكترونية راقصة. عدتُ إلى موسوعة ويكيبيديا لأستزيد معرفة، فأفادتني مشكورة أن “التكنوقراطية نظامٌ مقترحٌ للحكم يتمّ فيه اختيار صانعي القرار على أساس خبرتهم في مجالٍ معينٍ خاصةً في ما يتعلق بالمعرفة العلمية أو التقنية. يتناقض هذا النظام بشكلٍ واضحٍ مع فكرة أن الممثلين المُنتَخبين يجب أن يكونوا صُنَّاع القرار الرئيسيين في الحكومة”.
وعدتُ إلى تاريخ الحكومات في لبنان، فلم أعثر على حكومة تكنوقراط سادة، حتى حكومة الشباب، التي شكلها الرئيس صائب سلام العام 1970 وطغى عليها عنصر التكنوقراط ومنهم صائب جارودي، إدوار صوما، إميل بيطار، خليل أبو حمد، الياس سابا… لكنها ضمّت أيضا من السياسيين غسان تويني وجميل كبي وجعفر شرف الدين وغيرهم… وفي النهاية فرط الشباب تباعاً، سياسيين وتكنو.
وزراء كثيرون جاؤوا من الإدارة والقضاء إلى الوزارة كتكنوقراط في عهد الرئيس فؤاد شهاب وقال فيهم منح الصلح: “رأسمالهم شهادة طموحهم وظيفة وفضائلهم رذائل مؤجلة” في إشارة مباشرة إلى باسم الجسر الذي كان “يحسن الدخول من الابواب وبشكل خاص من تحت الابواب”، بحسب توصيف سياسي راقب توالي الحقبات والعهود وسجّلها على دفاتر الذاكرة.
الدكتور سليم الحص سمّاه الرئيس الياس سركيس لترؤس أولى حكومات عهده كرجل تكنوقراط، والمعرفة بين الرجلين تعود إلى حقبة الستينات يوم كان الأول رئيس لجنة الرقابة على المصارف والثاني حاكماً لمصرف لبنان. بعد الروداج في رئاسة الحكومة قلّع الحص كتكنوقراط. حط بحصة لرشيد كرامي في السياسة وتحوّل من رئيس حكومة كل لبنان إلى رئيس يمثل نصف الوطن والأفرقاء الخاضعين بشكل كلي لإرادة دمشق. رافق الحص الرئيس سركيس تقريبا ثلثي عهده 67% فـ”مرمصلو” عيشته وحكمه وللرئيس كميل شمعون في وصف الدكتور الآدمي ما لا يخطر في بال أزعر.
أما فؤاد عبد الباسط السنيورة فاختاره رئيس الحكومة رفيق الحريري ليكون وزير دولة للشؤون المالية العام 1992، اختير لكفاءته العالية كوزير تكنوقراط، ومع الوقت بات “المدير” رئيس حكومة ورجل دولة يجنن محوراً.
فعن أي تكنو، وأي بطيخ، وأي لقطين تتحدثون والسياسة جلدنا وعقلنا وبنكرياسنا والرئتان؟