كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
وفي اليوم السابع والعشرين للثورة، تتجه الأمور إلى مزيد من الوضوح، بعدما ضاقت المهل السياسية، وصارت المهل الدستورية ضاغطة. ولا بدّ من حسم الخيارات.
تجاوزت أصداء البورصة السياسية، بورصة بيروت المالية. فقد طغت طلعات ونزلات الأولى، على حركة الثانية رغم تقلّباتها. تقفل الأخبار المسائية على أنباء انسداد الأفق الحكومي بفعل وقوف القوى السياسية حول متاريسها، وتنطلق في يومياتها على اختراق ما تمّ تسجيله في مرمى الحكومة يشي بانفراج الوضع وهدوء الشارع.
ورغم الأجواء الايجابية التي بثت بعد ظهر أمس، إلّا أنّ كفة التشاؤم بدت أثقل في وقعها، في ضوء إصرار أكثر من مصدر في قوى الثامن من آذار على التأكيد أنّ الأمور لا تزال أمام حائط مسدود، إلا اذا تمكن الموفد الفرنسي مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو، من تحقيق خرق نوعي.
تقول المصادر إنّ مَيْل رئيس الجمهورية ميشال عون إلى تحديد موعد الاستشارات النيابية، أتى لكونه لم يعد جائزاً، بالمعنى السياسي وليس الدستوري، المماطلة أكثر، خصوصاً أنّ المشاورات لم تفضِ بعد إلى أي تفاهم متين من شأنه أن يضع قطار الحكومة العتيدة على سكة التكليف ثم التأليف.
وفق هؤلاء فقد منح رئيس الجمهورية فرصة أمام المشاورات السياسية علّها تقود إلى تفاهم مبدئي حول شكل الحكومة، يحول دون تأخير التأليف في ضوء الظروف المالية الصعبة التي تمّر بها البلاد، لكن في نهاية المطاف، لا بدّ من تحديد موعد للاستشارات الملزمة التي ستخلص إلى تسمية رئيس للحكومة.
وبما أنّ اللقاءات العابرة للمقار الرسمية، لم تثمر تفاهماً واضحاً، كما تؤكد مصادر قوى الثامن من آذار، فإنّ الاستشارات ستحصل عاجلاً أم آجلاً، والأرجح سيكون موعدها يوم الجمعة المقبل، تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الأزمة.
حاولت قوى الثامن من آذار، خلال الساعات الأخيرة ممارسة التهويل عبر تلويحها بالذهاب إلى خيارات جديدة في رئاسة الحكومة، بعدما اصطدمت مشاورات رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري بـ”الخليلين”، أي معاون رئيس مجلس النواب علي حسن خليل ومعاون الأمين العام لـ”حزب الله” حسين الخليل، بجدار من الرفض المتبادل لما هو مطروح.
وبالفعل، فقد استعرض فريق الثامن من آذار بعض الأسماء السنّية الوسطية، من خارج اصطفافها السياسي والتي قد تلقى أصداء إيجابية عربياً ودولياً، كي يكون طرحها بمثابة “خطة احتياط” يصار إلى التسلح بها في حال لم يسجل أي خرق ايجابي في جدار التفاوض مع الحريري.
ولكن الكوة التي أحدثها الحريري بنفسه ليل أول من أمس، أدت إلى وضع “الخطة ب” جانباً أقله في الوقت الراهن. إذ بعد اللقاء الذي جمع رئيس “تيار المستقبل” برئيس “التيار الوطني الحر”، أرسل الحريري ليلاً أكثر من إشارة ايجابية إلى “حزب الله” مفادها أنه مستعد لترؤس حكومة تكنو – سياسية، رغم أنّه سبق له أن رفض كلياً هذا الطرح بحجة الضغوطات الخارجية. ووفق مصادر قوى الثامن من آذار، لا تخلو مبادرة الحريري من المناورة وهي تأتي في توقيت فرضه استحقاقان: تلميح رئيس الجمهورية إلى قرب تحديد موعد للاستشارات النيابية وبالتالي على الحريري حسم خياراته، ووصول الموفد الفرنسي إلى بيروت.
يؤكد هؤلاء وجود قطبة مخفية تزيد من تخبّط رئيس الحكومة المستقيلة، تحيكها الضغوطات الأميركية وهي التي دفعته إلى الانتقال من مربع التفاوض لحماية حكومته خلال الأسبوع الأول لانطلاق الحركة الشعبية، إلى مربع الاستقالة المباغتة من دون تبريرات مقنعة.
يشيرون إلى أنّ الحريري لم يقل صراحة إنّه يتعرّض للضغوطات، ولكن كل حركته وطلعاته ونزلاته تشي بأنّه غير قادر على تأليف الحكومة العتيدة، أو بالأحرى يُمنع عليه تأليفها، حتى لو كان راغباً بذلك.
يؤكدون أنّ الضغط الأميركي حوّل المشهد الحكومي إلى حلبة ملاكمة، ويخشى أن يكون مسرح التفاوض صار خارج الحدود اللبنانية. ومع ذلك، يسود الاعتقاد أنّ الادارة الأميركية لن تراهن بكل أوراقها اللبنانية وترمي بالساحة اللبنانية في مستنقع الانهيار، وهي بالتالي ستعلّق ضغوطها عند ملامسة الوضع الخطوط الحمراء حفاظاً على مصالحها. ولهذا تواصل قوى الثامن من آذار سياستها الاستيعابية.
وبهذا المناخ، تُرصد بجدية زيارة الموفد الفرنسي إلى بيروت، حتى لو كانت تخفف من أثقال تأبّطه أي مبادرة متكاملة. إذ تعتبر مصادر قوى الثامن من آذار أنّ خيارات الحريري ستحسم في ضوء ما سينقله الديبلوماسي الفرنسي واذا ما كان قادراً على تأمين غطاء فرنسي لحكومة تسوية سياسية، كما يتم وصفها في الأروقة الديبلوماسية… أم أنّ البلاد إلى مزيد من التأزيم المالي.