كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
إذا كانت القروض المتعثرة قد بلغت نسبة 14 في المئة من إجمالي القروض في النصف الأول من هذا العام، فإنّ هذه النسبة مرجّحة لتتضاعف في النصف الثاني من 2019 وسط الانكماش الاقتصادي الذي أدّى الى إقفال مؤسسات وتسريح عمال، أو الى خفض رواتب معظم موظفي القطاع الخاص.
منذ أيلول الماضي، توقف نمو قاعدة ودائع المصارف بسبب تراجع الثقة وزيادة الضرائب على فوائد الودائع، وبدأ مسلسل هروب الاموال من القطاع المصرفي استباقاً لما آلت اليه الامور اليوم، من فرض قيود على السحب النقدي والتحويل من الليرة الى الدولار أو تحويل الاموال الى الخارج.
بالاضافة الى ذلك، أوقفت المصارف التسهيلات الممنوحة الى الشركات حتى إشعار آخر، ما أدّى الى وقف الاستيراد وإعاقة عمل مؤسسات القطاع الخاص من مصانع ومؤسسات تجارية، والتي يشكل الاستيراد الجزء الاساس من حلقة إنتاجها.
في المقابل، أبقت المصارف على نسبة الفوائد الشهرية المرتفعة التي تتقاضاها على الاموال المستخدمة سابقاً من التسهيلات المصرفية الممنوحة للشركات. وبالتالي، فإنّ تلك المؤسسات مضطرّة اليوم الى تسديد كلفة الفوائد الشهرية، علماً انّ اعمالها متوقفة نتيجة وقف التسهيلات المصرفية.
وسيدفع هذا الوضع، في حال لم يتم استدراكه من قبل المصارف واعادة العمل بالتسهيلات المصرفية، الى إقفال العديد من المؤسسات خصوصاً في القطاع الصناعي الذي يحتاج الى استيراد المواد الاولية، مما سيؤدّي الى وقف العمل وتسريح الموظفين. وفي النتيجة سيتعثر أصحاب المعامل والمؤسسات التجارية، في دفع مستحقات المصارف، كما سيتخلّف الموظفون المتوقفون عن العمل عن سداد قروضهم المصرفية.
ينضمّ الى هذه الفئة من المقترضين أصحاب المؤسسات السياحية من فنادق ومطاعم وغيرها، بالاضافة الى الموظفين في القطاع السياحي، وهم أيضاً عرضة للتخلّف عن سداد قروضهم المصرفية، بعدما أدّت التطورات الاخيرة الى انعدام الحركة السياحية والى إلغاء كافة الحجوزات، مما دفع أصحاب تلك المؤسسات الى منح موظفيهم إجازات غير مدفوعة، في حين عمد البعض الآخر الى خفض ساعات العمل وبالتالي خفض الرواتب.
تشمل هذه الدورة الاقتصادية السلبية، القطاع الصحي الذي يعاني منذ فترة طويلة جرّاء عدم تسديد الدولة مستحقات الضمان للمستشفيات، ما أدى الى تراكم ديون هذا القطاع للمصارف، واضطرّه اليوم الى خفض رواتب العاملين وإغلاق أقسام عدّة في معظم المستشفيات نتيجة عدم توفر المعدات الطبية.
وقد علمت «الجمهورية» انّ 7 من وكلاء كبرى العلامات التجارية الاجنبية في لبنان يعتزمون إقفال محلاتهم التجارية أواخر الشهر الحالي في حال بقي الوضع الاقتصادي والسياسي على حاله، ما يعني أيضاً تسريح ما لا يقلّ عن 1000 موظف عن العمل، أي الى مزيد من القروض المتعثرة!
رمّال
في هذا الاطار، اعتبر عضو لجنة القضايا الإنتاجية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي عدنان رمّال انّ لبنان في أسوأ مرحلة في تاريخه الاقتصادي، لأنه خلال الحرب الاهلية وخلال الأزمات التي مرّت بها البلاد في السابق، بقيت الامور تحت السيطرة لأنّ حجم اقتصاد لبنان لم يكن موازياً لما هو عيله اليوم عند 56 مليار دولار.
وقال لـ«الجمهورية» انه خلال الأزمات السابقة، تمكّن التجار من استيراد بضائعهم بطرق سهلة، مما ساهم في عدم توقف الدورة الاقتصادية، «إلّا انّ حجم الشركات اليوم والتوظيف الكبير في القطاع الخاص المقدّر بحوالى مليون شخص من موظفين وارباب عمل، لا يمكن ان يستمرّ في ظلّ الظروف التشغيلية الراهنة وآخرها القيود المصرفية المتمثلة بوقف التسهيلات الممنوحة للشركات».
وأشار رمّال الى انّ ثلث الشعب اللبناني (موظفو القطاع الخاص) في خطر اليوم، ليس فقط على صعيد تراجع قدرته الشرائية بنسبة 30 في المئة (الفارق الحاصل في سعر صرف العملة)، بل أيضاً على صعيد نمط عيشه.
وأوضح انّ وقف التحويلات الى الخارج للحفاظ على احتياطي العملات الاجنبية وسعر العملة المحلية أمر منطقي، «لكن يجب ان يُطبّق على الودائع التي أتت الى لبنان للاستفادة من الفوائد المرتفعة، والتي حققت ارباحاً في هذا الاطار وأدّت الى تضرّر الاقتصاد، وليس على التحويلات بهدف استيراد المواد الغذائية والمواد الاولية للصناعة». لافتاً الى انّ عدداً كبيراً من المواد الغذائية الاساسية غير متوافر في لبنان مثل الرز، السكر، الحمص والفول… وبالتالي هناك ضرورة لاستيراده لأنّ فقدانه يشكل خطراً على الامن الغذائي، علماً انه لم يتم تخصيص أي دعم له على غرار دعم استيراد المحروقات والادوية والقمح.
وشدد رمّال على انّ وقف الاستيراد يشكل خطراً على مداخيل الدولة من خلال تراجع ايرادات الضرائب والرسوم الجمركية، وهي المداخيل الرئيسية للدولة.
وتوقع ان يقوم القطاع الخاص نتيجة تلك القيود، بتسريح ما لا يقلّ عن 150 ألف موظف مع نهاية العام الحالي نتيجة تراجع الاعمال بنسبة 50 في المئة، لافتاً الى انّ معظم المؤسسات ستخفض رواتب موظفيها الى النصف في الاشهر الثلاثة الاخيرة من العام الحالي.
ولفت رمّال الى انّ الموظفين المصروفين ستنعدم قدرتهم على تسديد قروضهم المصرفية وأقساط المدارس والجامعات، ما سيؤدي الى ضرب قطاع التعليم الخاص والقطاع المصرفي الذي يسلّف القطاع الخاص (قروض شركات وأفراد) حوالى 56 مليار دولار.
وذكر انّ هناك ديوناً قائمة أيضاً ضمن الشركات، بين الموردين الكبار والمتوسطين والصغار، وبالتالي فإنّ التسديدات فيما بينهم ستتعثر أيضاً وستؤدي الى إقفال جزء من المحال التجارية.
كما اشار الى انّ كلفة الاستدانة التي تدفعها الشركات ارتفعت 6 نقاط مئوية على الدولار، من 8 في المئة في 2018 الى 14 في المئة في 2019، «ومع تجميد التسهيلات المصرفية، لم تعد الشركات قادرة على دفع أصل الدين، بل انها بالكاد تؤمّن كلفة الفوائد».
وفي تداعيات الفرق الحاصل في سعر صرف العملة بين السوق الرسمية وسوق الصيارفة، قال رمّال انّ الصناعيين بحاجة الى استيراد ما قيمته 4 مليارات دولار سنوياً، في حين يبلغ حجم استيراد كافة السلع الاخرى 10 مليارات دولار، «ما يعني اننا بحاجة لتأمين 14 مليار دولار من السوق السوداء و6 مليارات من مصرف لبنان لنصل الى 20 مليار دولار قيمة الاستيراد الاجمالية في لبنان».
ولفت الى انّ قرار خفض الاستيراد بقيمة 3 مليارات دولار، كما كانت تخطط له الحكومة ووزارة الاقتصاد، لا يمكن تطبيقه بالطريقة التي يتم تنفيذها حالياً، ومن دون إجراءات تمنع الانهيار.