كتب الان سركيس في “نداء الوطن”:
لا يستطيع أحد أن يُنكر الدور الذي لعبته نقابة المحامين على مرّ الأزمان وفي اللحظات المصيرية دفاعاً عن وجود لبنان وسيادته وإستقلاله.
“بيروت أمّ الشرائع” هذه هي العبارة الشهيرة التي تفتخر بها نقابة المحامين في بيروت، تلك النقابة التي كانت بمثابة البوصلة الوطنية التي تتحرّك وترفع الصوت عندما يتهدّد الكيان اللبناني، والتي شكّلت أهم محرّك للشارع للمطالبة برفع الظلم عن الشعب سواء كان الظلم سياسياً أو إجتماعياً أو إقتصادياً، والجدير ذكره أن شخصيات عدّة لعبت دوراً بارزاً في صناعة تاريخ لبنان مرّت عبر نقابة المحامين.
اليوم، وفيما يقوم الشعب اللبناني بثورته النظيفة والتي هزّت “العروش” بعد إستشراء الفساد والسرقة وتدمير الإقتصاد، وفي حين تنزل كل شرائح المجتمع إلى الشارع مطالبةً بحقوقها وحقوق الشرائح الشعبيّة المقهورة، تغيب نقابة المحامين في بيروت عن هذا الإطار الوطني الجامع، وكأنه لا يعنيها ما يجري في البلد، أو كأنها نقابة في برلين أو موسكو أو شنغهاي، وليست نقابة في العاصمة بيروت “أمّ الشرائع”.
وأمام كل ما يحصل، وفي حين يشتعل الشارع تتحضّر نقابة المحامين في بيروت لإجراء إنتخابات لأربعة أعضاء من أصل 12 عضواً من ضمنهم نقيب جديد خلفاً للنقيب الحالي أندريه الشدياق. وتتّجه الأنظار إلى إنتخابات الأحد لأنها أول إستحقاق انتخابي يحصل بعد ثورة 17 تشرين وتشكل إستطلاعاً للرأي العام، وهنا ينظر إلى دور المحامين المستقلين ومدى تأثيرهم وسط الرهان على قدرتهم على إحداث فرق وصناعة التغيير المنشود خصوصاً بعد أداء السلطة التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه. وتنقسم القوى المتنافسة بين حزبية ومستقلة، وفي هذا الإطار يُرشّح “التيار الوطني الحرّ” إلى مركز النقيب المحامي جورج نخلة، فيما ترشّح “القوات اللبنانية” المحامي بيار حنّا، ويوجد ثلاثة مرشّحين مستقلّين هم: ناضر كسبار وملحم خلف وعزيز طربيه، في حين لم يحسم حزب “الكتائب” موقفه النهائي بدعم طربيه أو خلف.
وتجري الإنتخابات على دورتين، ويفوز في الدورة الأولى 4 مرشحين لملء المراكز الشاغرة، في وقت يتنافس من يكون قد ترشّح إلى مركز نقيب من الفائزين في الدورة الثانية لحسم هويّة النقيب، أما المرشّح الذي خاض الإنتخابات على مركز العضوية وفاز لا يحقّ له في الدورة الثانية الترشّح لمركز نقيب، وتمتد ولاية النقيب على مدى سنتين.
ويبرز من بين المرشحين على مركز العضوية إبراهيم مسلّم الذي خاض معركة ملف الإستشفاء للمحامين، ومن هنا سيكون هناك ناخبان أساسيان في تلك الإنتخابات، الناخب الأول هو الأحداث التي تجري في البلد منذ ثورة 17 تشرين، والناخب الثاني هو ملف الإستشفاء الذي شكّل مادة تجاذبية طوال الفترة الماضية مع كثرة الحديث عن وجود فضائح وفساد.
ومن الممكن أن تشهد الدورة الثانية إنسحاب مرشح فائز في حال لم يتمّ الحفاظ على التوزيع الطائفي، وفي وقت يجب إختيار مرشّح سنّي هذا العام لمركز العضوية، فإن تيار “ألمستقبل” رشّح سعد الدين الخطيب، بينما ترشح المحامي جميل أمبريز الموجود في النقابة ولم ينسحب لصالح الخطيب، وإذا لم يفز أي مرشح سنّي فقد ينسحب أحد الفائزين في حال كان السنّي رديفاً وحلّ في المرتبة الخامسة.
إذاً، أمور كثيرة قد تتغيّر من هنا إلى الأحد، لكن الرهان الأساسي هو على إستعادة نقابة المحامين بريقها ودورها الريادي، لأنه لا يقوم أي مجتمع إذا لم يكن هناك نقابات فاعلة وتتحرّك لمناصرة حقوق الشعب، وبالتالي فإن نتائج الإنتخابات قد تكون أوّل إستطلاع أو إستحقاق لقراءة تحولات الشارع بعد الثورة.