Site icon IMLebanon

لماذا يرتاب «محور الممانعة» من الاحتجاجات في لبنان والعراق؟

 كتب ايليا ج. مغناير في صحيفة الراي الكويتية:

لم يكن «محورُ المقاوَمة» يحتاج لتصريحاتِ وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للتأكد من دخول الولايات المتحدة على خطّ ما يجري في العراق ولبنان. وبدا قولُه إن «علينا مساعدة شعبيْ العراق ولبنان على التخلص من النفوذ الإيراني وتحقيق تطلعاتهما (…) بعد اكتشاف أن إيران تقف وراء الفساد»، وكأنه ينطوي على اتهامٍ مباشر لحكومتيْ البلدين بأنهما مواليتان لإيران، وتالياً أن أميركا تدعم الثوار في بغداد وبيروت.

ولاحظتْ دوائر لصيقة بهذا «المحور» أن التدخّل الأميركي في شوارع العراق ولبنان لم يمرّ من دون إشاراتٍ في هذا الاتجاه صدرت عن أعلى المرجعيات الشيعية في العراق السيد علي السيستاني الذي قال «إن أطرافاً ووجهات داخلية وخارجية كان لها في العقود الماضية دور بارز في ما أصاب العراق من أذى بالغ وما تَعرّض له العراقيون من قمع وتنكيل، وهي تسعى اليوم لاستغلال الحركة الاحتجاجية لتحقيق بعض أهدافها».

وإذ رأت هذه الدوائر أن السيد السيستاني قَصَدَ «القاعدة» و«داعش» وأميركا وبعض الدول في المنطقة، توقّفتْ عند «كلماته القوية» التي لاقت اللغةَ التي استخدمها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في لبنان الذي حذّر من التدخلات الأجنبية في مجريات الحِراك المُحِقّ، وهما حرصا (السيستاني ونصرالله) على عدم القول إن التظاهرات توجّهها الولايات المتحدة، لأن مَن نزل إلى الشارع في بيروت وبغداد لديه مطالب مشروعة، لكن احتمال تَسَلُّل أميركا إلى الحِراك غير بعيد، وتالياً فإن «محور المقاومة» يعتقد أن الوضع في لبنان والعراق يتّخذ منعطفاً خطراً، فاحتمال حدوث انهيار مالي – اقتصادي في لبنان ليس بعيداً، على سبيل المثال.

وتحرص الدوائر ذات الصلة بـ«محور المقاومة» على إبعاد إيران وتحييدها عما يجْري في لبنان والعراق من حِراكٍ، بدليل أن السيد السيستاني، المعروف بمعارضته لأي تدخل خارجي في شؤون العراق، بما فيه من إيران، حمى «الحشد الشعبي»، الذي يتّهمه الغرب بتنفيذ أجندة إيرانية، فقال «إن أعزّتنا في القوات المسلحة ومَن التحق بهم (الحشد) في محاربة الإرهاب الداعشي والدفاع عن العراق شعباً وأرضاً ومقدّسات لهم الفضل الكبير على الجميع ولا سيما مَن هم مرابطون إلى اليوم على الحدود وما يتبعها من المواقع الحساسة».

ولفت هؤلاء إلى أن «الحشد» و«حزب الله» اختارا البقاء بعيداً عن الشارع وطَلبا من مناصريهما الشيء عينه، فكلاهما يدرك الفخ الذي يُنصب لهما ولعواقبه. وهما يعتقدان أن أميركا تتحضّر مع حلفائها الأوروبيين وكذلك الأمم المتحدة للتدخل إذا نزل الحشد أو الحزب إلى الشارع، ولذا فهما يريدان إبعاد شبح ما حصل في ليبيا وسورية عن بلادهما من جراء التدخل الأجنبي.

وفي تقويم هذا المحور لما يحدث أن الإعلام يركّز على بضعة آلاف من المتظاهرين متجاهلاً الملايين خارج الشوارع، وبينهم مَن يدعم مكافحة الفساد وتغيير النظام السياسي، ولكن الغالبية تعارض تدمير البلاد، كما هو حال المسار الذي يتّجه إليه لبنان بعدما أصبح الناس غير قادرين على تأمين العديد من السلع الضرورية المستورَدة، نظراً لمنْع التحويلات من المصارف التي لم تعد تلبي طلبات المودعين ايضاً، وهو ما نجم عن السياسات المالية لمصرف لبنان التي خضعت لضغوط خارجية وداخلية.

فما من مشاعر ضد إيران في الشارع المُعارِض للفساد في لبنان والعراق، بحسب هذه الدوائر التي ذكّرت بأن «السيد مقتدى الصدر الذي رفع شعار العداء لإيران، من دون التفاته إلى أنه شارك في جميع الحكومات السابقة ويملك أكبر عدد من النواب (53 عضواً) في البرلمان الحالي، أدرك أن الأمور خرجتْ عن سيطرته اليوم».

ولفتت تلك الدوائر إلى أن إيران وأميركا تتشاركان في تشكيل الحكومة العراقية، كل على حدة. أما في لبنان فالولايات المتحدة تفرض عقوبات على البلاد وتأمر المصارف وتقول للبنان ما يستطيع الحصول عليه وما لا يستطيع امتلاكه من أسلحة دفاعية وهجومية وكيف سيكون شكل الحكومة المقبلة.

وفي تقديرهؤلاء أن إيران انتصرتْ حيث فشلت أميركا عسكرياً في سورية والعراق ولبنان. وأُوجد «الحشد» ليحاكي إيديولوجية «حزب الله»، ومن الطبيعي ألا ترغب أميركا بتعاظُم قدرات هذا المحور. إلا أن المسألة الآن تُحرف عن أهدافها لأن الهدفَ الحقيقي في العراق – كما في لبنان – محاسبة الساسة الذين سرقوا مئات المليارات منذ أعوام.

فرئيس الوزراء السيد عادل عبدالمهدي، مهنيّ يريد إصلاح ما أفسدتْه الحكومات السابقة. ولكنه يحتاج لدعم الأحزاب التي انتخبتْه وعلى رأسهم السيد الصدر وهادي العامري. وبالتالي فهو لن يستطيع تحقيق الإصلاح اذا لم يُعْطِه المتظاهرون المجالَ للتغيير ومعاقبة الفاسدين.

ولا تُخفي الدوائر نفسها أن هناك خشية من أن تنزلق البلاد – لبنان خصوصاً – إلى حرب داخلية. فقد اعتقدت الأكثرية المسيحية المنتمية إلى «التيار الوطني الحر» – أي حزب رئيس الجمهورية ميشال عون – أن الجيش هو الضامن لها، لتجد عكْس ذلك في التظاهرات الأخيرة وأن مجموعة صغيرة مدرَّبة ومجهّزة ومصمِّمة تستطيع التغلب عليهما في وقت قصير. مما يجعل، سيناريو الحرب الداخلية، ليس بعيداً كما تعتقد أطراف وازنة في لبنان.

أما وضع العراق فهو أفضل بكثير. ذلك أن عبدالمهدي شفاف مع الأطراف السياسية وشركائه في الحكم بينما الأمر في لبنان مختلف حيث محاولات شق الصفوف و«التشاطر» والقول لكل فريق عكس ما يقال لفريق آخر.

صحيح أن الدول التي تملك فيها إيران حلفاء أقوياء تتعرّض لاهتزاز. إلا أن السكان والمتظاهرين غير موجَّهين ضدّ إيران. لقد شنّت أميركا الحروب على مدى العقود الماضية لأنها هوايتها المفضّلة التي تعطيها الهيمنة التي تريدها على العالم، بينما شبع سكان الشرق الأوسط من الحروب. لكن المتظاهرين لا يرون أبعد من طلباتهم المُحِقة ولا ينظرون إلى احتمالات حرْف حراكهم عن مساره الصحيح فمن سيربح في النهاية؟ الجواب في الاسابيع المقبلة في لبنان والعراق.