IMLebanon

الحدث في الشارع والمعاناة في المؤسسات

كتب خالد ابو شقرا في “نداء الوطن”:

لم يعد تراجع الأعمال والوقوف على حافة الإفلاس حكراً على قطاع معيّن، بل إن الأزمة خلّعت أبواب كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية والتجارية، منذرة بواقع أليم. الإجراءات المصرفية المتمثّلة بتقييد السحوبات ووقْف الإعتمادات ومنْع التحويلات الى الخارج، كانت المسمار الأخير في نعش الإقتصاد، والذي يُغرز يوماً بعد يوم في جسد الإقتصاد المهترئ بفعل ضربات مطرقة قلّة المسؤولية وتضييع الوقت.
حمّل حاكم المصرف المركزي رياض سلامة مسؤولية الإنقاذ الى المصارف بشكل مباشر، حيث ركّز في مؤتمره الصحافي الأخير على “وجوب تلبية المصارف للضروريات في هذه الظروف الإستثنائية، وبأنها قادرة على الاستلاف بالدولار من مصرف لبنان بفائدة 20 في المئة”.

الصدمة الإيجابية

“الصدمة الإيجابية يجب أن تأتي من المصارف”، يقول الإقتصادي أيمن حداد، و”عليها يقع عاتق ابتكار الحلول وتأمين الوسائل الضرورية لمواجهة الأزمة. إذ بالإضافة الى تسهيلات “المركزي” لجهة الحصول على قروض لتأمين ديمومة المؤسسات وتلبية طلبات المودعين، فإن المصارف تملك نحو 9 مليارات دولار في الخارج تستطيع توظيفها في الداخل”.

حداد يرى ان “إغلاق المصارف يشبه الخلوة لتحضير الحلول، والخروج برؤية واضحة حول الإطار القانوني الذي سيحكم علاقتها مع الزبائن في المرحلة المقبلة، من دون أن تعرّض نفسها لمخاطر إضافية تتمثل في رفع دعاوى قانونية في وجهها. خصوصاً أن البنوك لا تملك غطاء من مصرف لبنان، ولا مسوّغات قانونية لاتخاذ إجراءات تتعلّق بتقييد التحويلات واستنسابية سحب الودائع وفتح الإعتمادات”.

جرح الصناعة النازف

على الرغم من أن القطاعات الإنتاجية لم تكن بأفضل حال قبل 17 تشرين الأول، تاريخ إنطلاق الثورة الوطنية، يلفت الصناعي وجيه البزري إلى أن “التدهور الذي حصل في غضون أيام قليلة، لم يكن مسبوقاً”، ومما زاد الطين بلّة، هو اتخاذ البنوك أخيراً قراراً بمنع فتح الإعتمادات ووقف التسهيلات المصرفية القائمة واللاحقة للصناعيين، وكأنها تقول للمصانع “أقفلوا ابوابكم”، يضيف البزري.

المؤسسات بحسب مصادر الصناعيين تنهار واحدة تلو الأخرى، وغالبيتها صرفت نسبة كبيرة من عمالها، والباقي يُدفع له نصف راتب نتيجة تراجع الإنتاج والتسويق. لكن تحوّل الشارع الى مكان الحدث واستقطابه للوسائل الإعلامية، أبعد هموم الصناعة عن دائرة الضوء، وعتّم على مئات القصص المأسوية التي تتعرض لها نتيجة هذا الواقع.

وبحسب البزري فإن “وتيرة صرف العمال من المؤسسات أصبحت يومية، والكثير من المصانع عرضة للإقفال في غضون أسابيع قليلة إن لم يتوفر الحل المصرفي اولاً والسياسي ثانياً”.

قلق الصناعيين يُجابَه بتطمينات خاوية، من المعنيين مباشرةً بهمومهم، وبعبارات من قماشة “إن شاء الله خير، الأمور ستتحسن، طلبنا من المصارف العودة عن قراراتها وتأمين التسهيلات”، إنما برأي الصناعيين “هذه الوعود هي شيكات من دون رصيد، والواقع على الأرض يبرهن العكس”.

“لا تشكيلي ببكيلك”

القطاع التجاري ليس أفضل حالاً، ولعل عبارة “لا تشكيلي ببكيلك”، التي قالها أحد التجار في مصعد غرفة بيروت وجبل لبنان لصديقه الصناعي خير دليل على عمق الأزمة. فكبار المستوردين توقفوا كلياً عن الإستيراد، ليس بسبب إيقاف فتح الإعتمادات فحسب، إنما بسبب منع تحويل الدولار إلى الخارج لأي سبب كان، وهو الأمر الذي وضع مصداقيتهم مع الموردين على المحك، وأدى الى توقف شبه تام لأعمالهم منذ نحو شهر.

صغار التجار من أصحاب المحالّ والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والذين يشكلون النسبة الأكبر من القطاع التجاري، توقفوا منذ سنوات عن الإستيراد المباشر، وأصبحوا يتّكلون في مشترياتهم على تجار الجملة، وبالتالي هم لا يعانون من أزمة تحويل الأموال، إنما ما يؤلمهم ويؤثر فيهم بشكل مباشر، بحسب رئيس جمعية تجار مارالياس عدنان الفاكهاني، هو “وقف الإعتمادات والتمويل والقروض. إذ إن معظم التجار مقترضون بشكل دائم لتيسير أعمالهم وتأمين متطلباتهم وأي تعثر أو وقف للتسهيلات المصرفية سيؤثّر عليهم بشكل مباشر، ويدفع قسماً كبيراً منهم الى ترك القطاع إذا لم يكن إشهار الإفلاس”.

بين اليأس والتفاؤل

بحسب أحد المصرفيين فإنه “لا يوجد بصيص أمل يُستدل منه على طريق الخروج من النفق الذي دخلنا فيه. والإتكال على قبول المصارف بالتضحية للخروج من المأزق، قد يحمل نوعاً من المخاطرة، ليس لأنها لا تريد إنما لانها لا تستطيع. فنسبة كبيرة من أموال مودعيها وظّفت في تمويل الدولة سواء بالمباشر أو عبر مصرف لبنان، والذي بدوره موّل فيها عجز الدولة من دون قيد أو شرط”.

تشير مختلف الآراء إلى أن على المصارف إعادة فتح أبوابها والقيام بدورها مطلع الأسبوع المقبل كحد أقصى، وإلا فان النتائج السلبية التي ستترتب على الإقتصاد ستكون كارثية.