Site icon IMLebanon

بين “تويتر” وجواد نصرالله لعبة قط وفأر

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

 

تويتر حجب حساب #جواد_حسن_نصرالله المدرج على لائحة الإرهاب الأميركية. تويتر حظر حسابات #المنار. تويتر حجب حسابات #حماس وحسابات فنانين وسياسيين وجمعيات ومؤسسات وأفراد… فهل يشارك تويتر في إخفاء الحقيقة أم في إرساء السلام؟ هل أصبحت جيوش تويتر أقوى من كلِ الجيوش؟ وماذا عن تلك “النقرة” والحروف المحسوبة عدداً وشكلاً التي أصبحت تهزّ عروشاً وتؤسس لأوطان؟
إنضمّ الرئيس ميشال عون الى تويتر في مثل هذا الشهر، تشرين الثاني، منذ سبعة أعوام (2012). الرئيس سعد الحريري إنتسب الى مجتمع تويتر قبل “فخامتو” بثلاثة أعوام، في تشرين الأول العام 2009. الرئيس نبيه بري موجود على تويتر عبر “محبيه”. وليد جنبلاط وسمير جعجع وسليمان فرنجيه وجبران باسيل وسامي الجميل وجميل السيّد وفارس سعيد وعلي حسن خليل وباراك أوباما ودونالد ترامب وإيمانويل ماكرون… و”كلّن يعني كّلن”… في لبنان والمهجر وفي أوروبا والأميركتين وفي كل الشرق الأوسط… حجزوا “مطارح” على الشبكة العنكبوتية لكن ماذا عن “مستر تويتر”؟ هل حسابات هؤلاء بخير؟ متى يتدخل في ما يُكتب ومتى يحذف ومتى يقول لمن يريد: أخرج من بيتي؟

هو قال هذا الى جواد حسن نصرالله قبل نحو يومين. ووليد بك جنبلاط ردّ على هذا الفعل: مع السلامة. وماذا بعد؟

هذه ليست المرّة الأولى التي يُجمّد فيها تويتر حساب جواد حسن نصرالله، بعد أن صنفته وزارة الخارجية الأميركية إرهابياً عالمياً و”القائد الصاعد” لحزب الله. وفي كلِ مرّة كان جواد يعيد فتح حساب جديد. فهل نحن أمام كرّ وفرّ؟ هل يشبه تويتر وجواد نصرالله في أدائهما لعبة “الهرّ والفأر”؟

فلنذهب الى الولايات المتحدة الأميركية. الناشطة على مواقع التواصل الإجتماعي باميلا غانم، اللبنانية- الأميركية، حُظرت حساباتها على تويتر مرات وتفهم في أبعاد اللعبة: كان يتبعني أكثر من 27 ألف شخص. لكنني في كلِ مرّة أفتح حسابا يُعاد إقفاله لأنني أشارك تحت اسم “باميلا عليها السلام”. هناك من يعتبر أنني أهين الأديان بهذه التسمية لكن، ما أريده، هو أن أحقق “صدمة”. أنا متمردة بطبيعتي على كلِ شيء، وحاولت أن أستخدم منصة تويتر لأكون حرّة لكن، ثبُت لي، أن حرية التعبير الحقيقية على السوشيل ميديا غير موجودة. أقفلوا حساباتي بسبب “تراند” جديد على تويتر تحت تسمية Political correction

هناك من يعتبر،أن كلما تكلم أحد بما لا يعجبه، فهو عنصري أو طائفي. وتستطرد الناشطة المتمردة: حذرني تويتر ثلاث مرات. كان يُجمّد حسابي وأعود وأفتحه بعد أسبوع. والتهمة إهانة شخص أو أشخاص. وأيّ إهانة في تويتر تُستتبع بإقفال.

هل إقفال كلّ الحسابات ترتكز على نفس الأسباب والدوافع والأسلوب؟ تجيب غانم: هناك لدى الشخصيات البارزة المشهورة علامات زرقاء. هذه العلامات تجعل حساباتهم أقوى واختراقها أصعب. لكن، تبين أن هناك من بدأ يدفع مبلغ 5000 دولار تقريبا من أجل حيازة هذه العلامة. وأصبح هناك ما يُشبه “اللوبي” الذي يهجم على بعض العلامات (الشخصيات) مساهما في إقفال حساباتها.

يبدو أن هناك فساداً حتى في تويتر!

لماذا تصرّ باميلا غانم على استفزاز الآخرين باسمِ “باميلا عليها السلام”؟ تجيب بلا دوران: لأنني أحبّ أن أستفزّ الجمهور وأجعلهم يفكرون أكثر. هذا هو أسلوبي. وتستطرد: أؤيد الثورة جدا لكنني أريد أن أسمع الرأي الآخر. حرية التعبير إما تؤخذ كلها “باكيدج” أو لا تكون حرية. لذا أنا مضطرة لأن أسمع ما يقوله “حزب الله” عبر حساباته. أنا مع الإبقاء على تلك الحسابات حتى ولو كان الجيش الإلكتروني التابع لـ”حزب الله” أحد أبرز الأطراف التي شاركت في إقفال حساباتي.

فلنعد الى لبنان. تويتر بحر كبير كبير جمع كل العالم. تويتر قادر على أن يشعل ثورة أو أن يخمد ثورة. تغيّرت المقاييس والمفاهيم والأدوات كثيرا في عشرة أعوام غير أن “الرؤساء” القابعين في “العلالي” ما زالوا يجهلون أن الشعب هو من يُغيّر ويؤسس. هذا الشعب أصبح قادراً أن يتحرر ويُحرر عبر “نقرة أصبع”. وما عادت القوة في أيدي من يظنون أنفسهم “الأقوياء”!

زمان، صنع الخميني الثورة الإيرانية بين عامي 1979 و1980 بالكاسيت. كان يتحدث عبر الشريط ويوزعه في كلِ أرجاء إيران. كان التواصل من طرف واحد، تلقيماً بلا نقاش، أما الآن فبات من جانبين. نقاش وإصغاء. وتويتر شاهد على كلّ الحوارات.

ما رأي الأستاذ في الإعلام الرقمي في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية غسان مراد؟

يعتبر أستاذ الإعلام الرقمي أن تويتر هو من بات يتحكم بكلِ الرسائل بين الأفراد والمجموعات والدول. تقنياً كل رسالة تمرّ عبر برنامج آليّ “روبو” يقوم بالتقاط مجموعة من الكلمات المحددة سلفا مثل: “حزب الله” والجهاد الإسلامي والأسلحة… وهناك برنامج يقوم بإلغاء بعض التغريدات أوتوماتيكياً إذا شكّ فيها. كلّ شيء يتمّ أوتوماتيكياً لا يدوياً إستنادًا الى داتا مبرمجة سلفا. لهذا، يستطرد مراد، هناك من يكتب كلمة حزب على الشكل التالي: ح ز ب. هناك من يحاول التذاكي على تويتر الذي لا يعود قادراً على التقاط “الميساج” وتجميده.

هناك برامج تحدد دقة المواضيع بحسب الهاشتاغ. هاشتاغ “المنار” مثلا يجعل برنامج تويتر يتنبه أكثر. وتويتر هو وحده من يملك المفتاح لكلّ الحسابات. فإذا رأى في هاشتاغ ما إساءة أو إنتهاكاً أو مخاطر أمنية ما فقد يرسل إشارة التجميد. تويتر يقول: يجوز لنا تعليق الحسابات التي تنتهك القواعد من أجل المحافظة على بيئة آمنة للمستخدمين. تويتر يمكنه أيضا في حال اشتبه في أن أحد الحسابات قد تمّ اختراقه فيجوز له تعليقه. تويتر يمكنه أيضا تعليق الحسابات التي تتضمن تغريدات أو سلوكيات مسيئة مثل إرسال تهديدات للآخرين أو انتحال حسابات أخرى. هذا ليس كلّ شيء، فتويتر صمم أداة تُمكنه من تحديد الحسابات التي تنخرط في التنمر.

صحيح أن الكثيرين يتمنون في هذه اللحظة أن يناموا ويستيقظوا ليجدوا أن لبنان عاد أخضر والحياة باتت جميلة والمسنّ بات يستمتع بالحياة والشاب عاد يحلم. لكن، الى ذاك الحين هناك سؤالٌ آخر يطرح نفسه، ماذا لو غفونا واستيقظنا من دون تويتر وفيسبوك وإنستغرام؟ ماذا لو تبخرت كل الهاشتاغات في الهواء؟ غسان مطر يعتبر أنه بات صعباً في عالمنا الحديث تخيّل الحياة من دون السوشيل ميديا لكن علينا ألا ننسى أن فيسبوك على سبيل المثال هو تطبيق معلوماتي من الممكن في أي من الأوقات أن يتوقف أو أن يتحول الى تطبيق ذي خدمات مختلفة.

فيسبوك، في المناسبة، حذف قبل عام واحد ملايين الصفحات هو أيضا. وحذف صفحات 70 ألف مستخدم على اعتبار أنها تحمل أخباراً مزيفة. وأوقف 900 صفحة قبل فترة من انتخابات التجديد للكونغرس في الولايات المتحدة. وهي صفحات تابعة لناشطين ومدونين يملك كل واحد منهم ما يقارب مليون متابع. وردّ غسان مراد ذلك الى أن هناك من اعتبر أن الحزب الديموقراطي الأميركي وراء هذه الحملة من أجل تغيير المعادلات الإنتخابية.

أصبح بالإمكان “إدارة” العالم من خلف النافذة – نافذتا الفيسبوك وتويتر- هذه هي لعبة الذكاء التكنولوجي. والذكاء إبتكار لهذا سيبقى الإنسان أكثر ذكاء.

في تويتر هناك من “يفسّد” على الآخر. إجراء تقرير بآخر “رابور” هو شكلٌ من أشكال “التفسيد”. وحين تطالب مجموعة من الناس بإقفال حساب ما سيقفل أوتوماتيكياً. وبالتالي الخلافات الواقعية التي كانت تحصل بين الجمهور انتقلت الى “الفضاء” التكنولوجي.

حساب جواد حسن نصرالله جُمّد. هناك من تآمر عليه؟ ربما. وهناك من تآمر، عبره، على سواه؟ ربما. هناك من تنبأ قبل عشرة أعوام أن نلحق نحن تويتر لكن، يبدو أن تويتر هو من أصغى الى صراعات الأرض، ورتبها في فضائه، واستجاب لها. إنعكست الآية.

تويتر بات يُحرك ثورات، ليس على مثال رواية “جورج أورويل” العام 1984 التي طرح فيها الكاتب قضايا غير منتهية وأسئلة ليس لها إجابات. لكن على نسق بعض الأسئلة على لسان أورويل نفسه التي تفتح نافذة في جدار التفكير. هو سأل مرّة ونستون تشرشل: كيف يفرض إنسان سلطته على إنسانٍ آخر يا ونستون؟ فكّر ونستون ثم قال: بأن يجعله يعاني. تويتر يفترض أن يحثّ العقل على التفكير.

فلنعد الى الولايات المتحدة الأميركية ونغوص في الإحصاءات “التويترية”. الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينام ويستيقظ على تويتر. هو مدمن تويتر. وهو هاجم من قلب البيت الأبيض أقربين وأبعدين، يميناً ويساراً، 500 مرّة في أوّل أسبوعين من تشرين الثاني. وهو غرد في الأسبوع الثاني من شهر تشرين الأول الماضي أكثر من 271 تغريدة. هو يثني ويهاجم ويشكو ويعد ويغضب ويمدح ويتباهى ويصفق عبر تويتر. ترامب يُوجّه أوامر الى الجيش عبر تويتر. أتتخيلون؟ أمورٌ غريبة عجيبة صنعها تويتر واستخدمها رواد تويتر وتمادى فيها من ركبوا موجة تويتر محاولين تطويع القريب والبعيد عبر هاشتاغ أو بلوك أو رسالة أو تبليغ.

ترامب يفقه أصول لعبة تويتر أو يملك مفاتيح تويتر؟ هناك من سأل هذا واستطرد: هل كان يفترض بإدارة تويتر إقفال حسابات “الخصوم” ومن يقفون عند ضفاف نقيضة؟ من يفقهون أصول اللعبة التويترية يفرحون لاختلاف الآراء ويلحقون “النقيض” أكثر مما يتبعون من يشبههم. لذا سمعنا من يردد منهم: ليت تويتر أبقى على جواد حسن نصرالله!

تويتر يثور؟ تويتر يدخل على خطّ الثورة، بنقرات أصابع من يريدون إثبات حال أو حالة أو سيناريو أو تغيير مفصل والتأسيس على مفاصل. وتويتر، التي تُستخدم كلعبة من كثيرين، باتت تلعب هي أيضا بحسابات الكثيرين. هذا حقها؟ الثابت في كلّ هذا أن كلا الطرفين، تويتر وجمهور تويتر، يتحدثان عن الحريّة. لكن، على ما بدا، مدى الحريّة، في تويتر كما في الحياة: الحرية وجهة نظر!