كتب محمد وهبة في “الاخبار”:
وأخيراً، اتّخذت وزارة الطاقة قراراً جريئاً بالسماح لمنشآت النفط باستيراد مادة البنزين وكسر احتكار كارتيل النفط لاستيراد هذه المادة. هذه الخطوة جاءت خوفاً من تعزيز التحرّكات الاحتجاجية بوجه الوزارة والفريق السياسي الذي تنتمي إليه، لأنها لم تحرّك ساكناً تجاه تهديدات كارتيل مستوردي المشتقات النفطية الذين هددوا بالتوقف عن الاستيراد وقطع هذه المادة عن السوق، ما سيؤدي إلى شلّ البلد ومفاقمة حالة الفوضى.
ونشرت إدارة المنشآت إعلاناً تعرب فيه عن رغبتها في شراء 150 ألف طن من مادة البنزين 95 أوكتان عبر مناقصة عمومية تُفضّ أسعارها عند العاشرة والنصف من صباح يوم الاثنين بتاريخ 2/12/2019، وعلى أن تكون آخر مهلة للعروض قبل نصف ساعة من فضّ العروض والكشف عن نتائج المناقصة.
قد تكون هذه المناقصة هي الأولى من نوعها في العقدين الأخيرين، وهي جاءت بعدما تبيّن أن كارتيل مستوردي المشتقات النفطية يستغلّ قدراته الاحتكارية من أجل الضغط في اتجاه تحميل المستهلك زيادة كلفة الاستيراد على صفيحة البنزين. فالكارتيل يطالب بأن يوفّر له مصرف لبنان التمويل بالدولار لاستيراد كل المشتقات النفطية، من دون أن يفرض عليه إيداع 100% من قيمة الاعتمادات المفتوحة بالليرة و15% من قيمتها بالدولار، في حساب خاص تبقى فيه لفترة لا تقلّ عن 30 يوماً ولغاية تاريخ استحقاق الاعتمادات. كذلك طلب الكارتيل إلغاء الفقرة التي تشير إلى تسديد عمولة لمصرف لبنان بقيمة 0.5% عن كل عملية.
وبحسب المعلومات، فإن نشر الإعلان دفع مستوردي النفط إلى التراجع عن ابتزاز الدولة بالتوقف عن استيراد هذه المادة الحيوية للاستهلاك اليومي، وأوعز إلى نقابة أصحاب المحطات الاستمرار ببيع هذه المادة في السوق بعدما كانت النقابة تقنّن المبيع، معلناً أن لديه أربع بواخر قادمة إلى لبنان محمّلة بالمشتقات النفطية. والمعروف أن نسبة كبيرة من محطات الوقود مملوكة أو تابعة لشركات الاستيراد بموجب عقود متوسطة وطويلة المدى، ما يعني أن لدى هذه الشركات القدرة على قطع السوق من مادتَي البنزين والمازوت بشكل شبه كامل.
إزاء هذه الخطوة التي اتخذتها وزارة الطاقة وإدارة المنشآت، حاول تجمّع مستوردي النفط الاعتراض على إجراء المناقصة، متذرّعاً بعدم صلاحية المنشآت قانوناً لاستيراد مادة البنزين، إلا أنه لم يتمكن من إثبات هذا الأمر بعدما تبيّن أن قيام المنشآت بالاستيراد يتطلب قراراً من الوزير لا أكثر، فلجأ إلى التفاوض من أجل إلغاء المناقصة، ولا يزال يمارس ضغوطاً في اتجاه إلغائها.
وكان لافتاً أنه فور إعلان المناقصة تقدّمت أربع شركات محليّة لسحب دفاتر الشروط (هناك شركات أخرى سحبت دفتر الشروط لاحقاً)، علماً بأن الشروط المنصوص عليها تفسح المجال أمام الشركات المستوردة المحلية والأجنبية المشاركة في المناقصة إذا انطبقت عليها المواصفات المنصوص عليها في دفتر الشروط. من البنود المطلوبة أن تكون لدى المستورد القدرة على توريد خمس شحنات كميتها الإجمالية 150 ألف طن متري من مادة البنزين 95 أوكتان، على أن تحدّد تواريخ تسلّمها لاحقاً تبعاً لحاجات المنشآت لتغذية السوق وقدراتها الاستيعابية، علماً بأنه يمكن للإدارة التصرف تبعاً لمتطلبات الأوضاع، وأن تكون طريقة الدفع عبر اعتمادات تفتح عبر مصرف لبنان، وأن يكون لديها تأمين وحجم أعمال وسواها من الأمور الروتينية المعروفة في مجال هذا النوع من المناقصات.
يقدّر استهلاك لبنان من مادة البنزين بشقيها 95 أوكتان و98 أوكتان، بنحو مليوني طن سنوياً وبقيمة استيراد تبلغ 1.4 مليار دولار في 2018، أي ما يوازي 150 مليون صفيحة سنوياً، ما يعني أن الكمية التي ستشتريها منشآت النفط تكفي السوق المحلية لمدة 30 يوماً في المتوسط بحسب حاجات الاستهلاك الموسمية. فالمعروف أن الاستهلاك يتراجع شتاء ويرتفع صيفاً، وفي مثل هذه الأوقات من السنة يستهلك اللبنانيون نحو 6 ملايين ليتر أو 300 ألف صفيحة شهرياً.
تنفيذ هذه المناقصة هو أمر حيوي ومهم بالنسبة الى السوق المحلية، لأنه يخلق توازناً في السوق ويترك المجال مفتوحاً أمام الدولة للتدخّل في أي ساعة لضخّ الكميات في السوق وتوفير المادة للاستهلاك المحلي من دون ضغوط.
رغم ذلك، برزت مخاوف من أن تخضع وزارة الطاقة لإملاءات كارتيل النفط والتجاوب معه في إلغاء المناقصة، وخصوصاً أن الكارتيل لا يزال قوياً ولديه ما يكفي من النفوذ بين السياسيين لممارسة الضغوط وليّ ذراع الوزيرة.
إضراب الخلوي مستمر
«مش أزمة سيولة، ومش قصة عمولة، نحن سكرنا تاتش / ألفا، الوزارة مسؤولة… إضرابنا كتير كبير، قولولنا شو ح يصير، نحن سكرنا تاتش / ألفا، تيسمع الوزير».
في اليوم الثالث من اعتصام موظفي ألفا وتاتش، سمع وزير الاتصالات في الحكومة المستقيلة محمد شقير صرخة المعتصمين وارسل العقد الجماعي إلى الشركتين. لكن مع ذلك تضاربت المعلومات بشأن تاريخ تحويل العقد. في «تاتش» معلومات عن أن العقد أرسل أمس، فيما يؤكد موظفو «ألفا» أنهم سمعوا أن العقد أرسل إلى الشركة أمس بالبريد بعدما وصلت نسخة إلكترونية منه قبل أيام، لكنهم يشكّون في أن يكون ذلك الإعلان مجرّد خطة لإعادتهم إلى عملهم.
في حال صح ذلك، يفترض بمديري الشركتين التوقيع العقد وإعادته الى الوزارة لتوقيعه حتى يصبح سارياً. لكن مع ذلك، فإن هذه الخطوة ليست كافية بالنسبة للعاملين في الشركتين، ويقول بعضهم إنهم سيستمرون في الاعتصام. ذلك ان العقد يؤمن لهم فقط الحفاظ على التقديمات المدرسية والجامعية الى جانب التأمين الصحي. الا أنه لا يضمن لهم حقهم في الترقيات التي حرموا منها منذ عامين ولا المكافآت السنوية. وبالتالي هم بحاجة الى ضمانات إضافية من شقير، رغم «أننا فقدنا الثقة به».
في موازاة ما سبق، قضى الاتفاق بين الموظفين المعتصمين على عدم تسليم «بطاقات تعبئة الخطوط المدفوع سلفاً» من منطلق زيادة الضغط على الشركتين ووزارة الاتصالات، الا ان موظفي «تاتش» قاموا بتوزيع البطاقات كبادرة حسن نيّة. كذلك، فإن موظفي الشركتين، يعتبرون أن الإضراب هو خطوة أولى ستتصاعد في حال لم تتم الاستجابة لمطلبهم. وقد يصل الامر إلى إطفاء الشبكتين في مرحلة لاحقة. يتمسّك هؤلاء بالعقد الجماعي لأنه يؤمّن لهم حماية من الطرد التعسفي في حال تم خصخصة القطاع الى جانب المكتسبات الأخرى.
يذكر أن هذا الاعتصام ليس الاول للموظفين، فقد نفذوا اعتصاما سابقا منذ أكثر من شهر، إثر امتناع شقير عن تجديد العقد وتبلغّهم نيته طرد بعض الموظفين وتجريد البعض الآخر من حقوقه.