كتب ميشال أبو نجم في صحيفة الشرق الأوسط:
ما زالت باريس مستمرة في اتصالاتها من أجل توفير «شبكة الأمان» للبنان في الأزمة غير المسبوقة التي يعيشها منذ 25 يوما. وكشفت أوساطها أن اتصالات تجرى مع العديد من الأطراف بما فيها طهران ودول خليجية وأن وزير الخارجية جان إيف لو دريان «يثيرها في مشاوراته» الهاتفية وفي زياراته ولقاءاته مع نظرائه ومنهم من حضروا إلى باريس للمشاركة في «منتدى السلام» الذي اختتم أعماله في العاصمة الفرنسية أول من أمس.
وكشفت المصادر الفرنسية، بخصوص الموقف الأميركي، أن ثمة جناحين يتعارضان داخل الإدارة الأميركية في النظر لتطورات الأحداث في لبنان: الأول، يتماهى مع المقاربة الفرنسية ويعتبر أن المطلوب من السلطات اللبنانية أن تتجاوب مع ما يريده الشارع وتوفير الظروف ليتمكن اللبنانيون من تشكيل حكومة قادرة على مواجهة الأوضاع الاستثنائية خصوصا الاقتصادية. وتعتبر باريس أن المرحلة التي يجتازها لبنان «خطيرة» وأن هذا القول هو نتيجة «قراءة واعية» لتحديات المرحلة الحالية وما قد يستتبعها سياسيا واقتصاديا وماليا. وبالمقابل، ترى باريس أن ثمة تيارا آخر في الإدارة الأميركية هو «تيار الصقور» الذي يرى في الحراك اللبناني «كما العراقي» فرصة لإضعاف «حزب الله» وعبره المواقع الإيرانية وذلك على خلفية النزاع الأميركي ــ الإيراني في المنطقة وسعي واشنطن لكسر شوكة إيران عبر سياسة «الضغوط القصوى» التي تمارسها واشنطن منذ أن أوقفت التزامها بالاتفاق النووي.
وأفادت المصادر الفرنسية أن باريس «نبهت» أن أمرا كهذا من شأنه أن يدفع «حزب الله» إلى رفض التنازل تحت ضغوط الشارع وبالتالي إطالة المأزق. وتحرص باريس على إيصال «رسالة» لـ«حزب الله» «تذكر» أنها على «تواصل معه» وأنه يشكل جزءا من النسيج السياسي والاجتماعي اللبناني. ومضمون الرسالة يركز على حثه على «الفصل» بين المسائل الداخلية اللبنانية وبين النزاعات الإقليمية وتجنب أن يتحول لبنان ساحة لـ«تصفية» مشاكل المنطقة أو لتمرير رسائل عبره. وقالت مصادر أخرى، إن باريس تريد «طمأنة» حزب الله إلى أن غرضها ليس عزله أو استهدافه أو إخراجه من المعادلة السياسية وفق ما يصدر عن بعض مسؤوليه، بل «فقط» حث اللبنانيين على الإسراع في الخروج من الأزمة الدستورية وخطوتها الأولى تشكيل حكومة لتلافي «الفراغ المؤسساتي». وتشدد باريس على أن الركون إلى حكومة تصريف الأعمال «ليس حلا» لأن أمرا كهذا سوف «يفاقم» الأزمة.
أما بالنسبة للملف الداخلي، فإن باريس تشدد عل أمرين: الأول، دعوة اللبنانيين إلى «تنحية صراعاتهم السياسية» الأمر الذي يبدو من باب التمني بالنظر إلى التناقضات العميقة في النظرة إلى الأزمة وإلى وسائل الخروج منها. أما الأمر الثاني فقوامه دعوة اللبنانيين إلى السير نحو «حكومة جامعة توحي بالثقة» وفق توصيف مصادرها بحيث يتوافر لها أوسع دعم سياسي سيكون ضروريا للمرحلة القادمة التي يفترض فيها بالحكومة العتيدة أن تعمد إلى إصلاحات أساسية تستجيب لمطالب الحراك من جهة وتوفر الضمانات المطلوبة للسير في تنفيذ تعهدات مؤتمر «سيدر» التي يعول عليها لبنان اقتصاديا وماليا.
وترى أوساط دبلوماسية في العاصمة الفرنسية أن ما تقوم به باريس «مهم» وربما استدعى جهودا دولية إضافية إذ أن الضغوط والوعود الفرنسية وحدها «لا تكفي» وتستطيع باريس جر الأوروبيين وراءها. لكن باريس تريد أن ترى اللبنانيين يرتقون لمستوى المسؤولية و«إلا كان الجميع خاسرين».