كتب خضر حلوة قي صحيفة “نداء الوطن”:
في الستينات والسبعينات من القرن الماضي اي ما قبل الطائف وفي عز ما يسمى بالمارونية السياسية، وفي عز الصراع السياسي الداخلي والخارجي المتعلق بالنفوذ الفلسطيني والحركات القومية والناصرية والاشتراكية التي كانت تعيش ذروة نشاطها وفعاليتها في الشارع وفي الناس المتعاطفين معها، كانت حكومات لبنان تتعرض لهزات سياسية قوية وصراعات بمواقف اعضائها المتضاربة التي كانت تؤدي الى ازمات حكومية حادة.
وكانت الحكومات التي يرأسها سني تتنقل بين اسماء عدة، منهم من يتمتع بقاعدة شعبية متينة ومنهم من يتمتع بنفوذ او شكل من اشكال الوسطية السياسية التي كان يلجأ اليها رؤساء الجمهوريات بعد استشاراتهم للنواب. وتوالى خلال تلك الحقبة على رئاسة الحكومة شخصيات نذكر منها: رشيد كرامي، صائب سلام، عبدالله اليافي، الحاج حسين العويني (الذي غالباً ما كان يأتي كحلِ وسطي يرضي الاطراف). لكن الاهم من ذلك انه، وعندما تتعقد أمور التأليف، ونادراً ما تحدث واذا حدثت فلا تطول، كانوا يلجأون الى حكومات تسمى “اكسترا برلمانية”، اي من خارج الندوة النيابية. وكانت هذه الحكومات تلقى الدعم السياسي من كل الاطراف والقوى السياسية المؤثرة، اما الاهم فكان الصدى الايجابي الكبير الذي تلقاه من الشعب اللبناني، فضلاً عن أن هذه الحكومات كانت تتشكل من شخصيات بارزة ترقى في مستواها العلمي والاخلاقي، وخبراتها وحياديتها، ذلك ان اعضاءها كانوا يترفعون باخلاقهم ورصيدهم المعنوي عن مغريات بعيدة من السلوك السياسي لبعض المعنيين الذين يهدفون إلى بناء شعبية أو قاعدة سياسية لهم.
ومن باب التذكير على سبيل المثال لا الحصر، فاننا نتذكر كثيرين منهم: جوزف نجار، اميل تيان، جورج حكيم، سليمان الزين، محمد كنيعو، امين البزري، نجيب علم الدين، حسن مشرفية، غسان تويني، بيار اده، هنري اده، فؤاد بطرس، نسيب البربير، منير حمدان، جعفر شرف الدين، ميشال الخوري، خليل ابو حمد، اميل بيطار، وغيرهم من وجوه اكسترا برلمانية لكنهم سياسيون بالمعنى الواسع للكلمة، فالوزير بمجرد دخوله الوزارة يصبح دوره سياسياً اكثر منه تقنياً.
بناءً على ما تقدم، فان حكومة اكسترا برلمانية سياسية – الزامياً – يتمتع اصحابها بالمزايا التي تشابه تلك الوجوه المذكورة التي كانوا يستعينون بها وبخبراتها ومناقبيتها في عمل سياسي تنفيذي انعكس حينها على صورة بلد بهية وناصعة بسبب ادائهم، وكانوا يكلفون ويؤدون واجبهم السياسي، ويغادرون مناصبهم بهدوء، تاركين بصمات ما زالت موجودة في أذهان معاصريهم.
ليست المهمة صعبة ولا مستحيلة، بل ربما ضرورية لاستعادة ثقة بتنا على وشك فقدانها شعبياً ودولياً، لكن لبنان واللبنانيين يستحقونها.