كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
كشفت مصادر سياسية بارزة أن المشاورات والاتصالات المتنقلة التي استمرت حتى منتصف ليل أول من أمس، أدت إلى التوافق على اسم الوزير السابق محمد الصفدي بصفته مرشّحا لتشكيل الحكومة الجديدة، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه لا صحة للجوء أطراف شاركت فيها إلى غسل يديها من تسميته بقولها إن المداولات التي جرت لم تتوصّل إلى حسم اسم أي مرشح من الأسماء المطروحة لتولّي رئاسة الحكومة.
ولفتت المصادر السياسية إلى أن اللقاء الذي عُقد بين رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري و«الخليلين» معاون رئيس المجلس النيابي الوزير علي حسن خليل وزميله المعاون السياسي للأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل، انتهى إلى الاتفاق على ترشيح الصفدي لرئاسة الحكومة العتيدة، وقالت إن اتفاقهم شكّل تناغماً مع رغبة رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل اللذين كانا أبديا دعمهما لترشيحه.
وأكدت المصادر نفسها أن الصفدي بدأ يتصرّف قبل أيام من توافق هذه الأطراف مجتمعة على تسميته على أنه الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة، وقالت إنه بات يتحضّر إعلامياً وسياسياً لتولّي هذا المنصب وإنما بعيداً عن الأضواء.
واعتبرت أن إصرار محطة «المنار» الناطقة باسم «حزب الله» في معظم نشراتها الإخبارية بدءاً من صباح أمس على القول إن اسم المرشح لتولّي رئاسة الحكومة لم يُحسم بعد، ما هو إلا محاولة يتطلع من خلالها الحزب لأن ينأى بنفسه عن ردود الفعل التي صدرت عن «الحراك الشعبي» اعتراضا على تسمية الصفدي، خصوصا أنها بلغت ذروتها في الدقائق الأولى من تسريب خبر التوافق عليه.
وسألت المصادر السياسية، كيف سيتصرف الرئيس عون ومعه باسيل حيال ردود الفعل الرافضة لتسمية الصفدي تشكيل الحكومة الجديدة، وقالت إن مجرد تريُّث رئاسة الجمهورية في عدم تحديد موعد لإجراء الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف تأليف الحكومة يعني أن هناك صعوبة في تسويق اسم الصفدي لتولّي المنصب، إلا إذا قرر أن يدير ظهره للحركات الاحتجاجية الواسعة المعترضة على تسميته، وارتأى أن التمسك به يفتح الباب أمام تكيُّف رئيس الجمهورية مع استمرار تصاعد موجة «الحراك الشعبي» طالما أنه لم يعد في مقدوره اللجوء إلى قطع الطرقات؟
ورداً على موقف الرئيس الحريري قالت المصادر إن الأخير يهمه عدم تمديد فترة تصريف الأعمال من قبل الحكومة المستقيلة؛ لأن البلد لا يُدار في ظل التأزّم الاقتصادي والمالي غير المسبوق بوجود حكومة لا تحكم. وأكدت أن الحريري أيّد تسمية الصفدي لقطع الطريق على من يحضّر له تهمة جاهزة بأنه يعيق تشكيل الحكومة، وقالت إنه سيدعمها وصولاً إلى منحها الثقة، لكن تيار «المستقبل»، لن يشارك فيها مباشرة أو بالواسطة.
وعزت موقف الحريري بعدم مشاركته في الحكومة الجديدة إلى أن قراره في هذا الخصوص ينسجم مع رؤيته لإخراج لبنان من أزمته الاقتصادية والمالية ولو على مراحل والذي لن يتحقق إلا بتشكيل حكومة تكنوقراط تحاكي «الحراك الشعبي» في مطالبه من جهة، ولديها القدرة على إحداث صدمة سياسية لن ترى النور ما لم يتم تبريد الأجواء بإبعاد الوجوه النافرة والاستفزازية، وبعضها كان موجوداً في الحكومة المستقيلة والتي عانت من التعطيل وقلة الإنتاجية.
وقالت إن مجموعة من الأسماء المرشحة لتولي رئاسة الحكومة قد طُرحت وإن جميعها من التكنوقراط ما عدا الصفدي الذي حظي بإجماع من الذين شاركوا في المشاورات مع أنها مشهود لها بالكفاءة، ومن بينهم الوزير السابق خالد قباني وسفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة نواف سلام والخبير المالي أسامة بكداش والرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف وليد علم الدين.
وكشفت أن لقاء رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام مع الحريري قبل اجتماعه بـ«الخليلين» كان أجمع على ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط من اختصاصيين وأبدى الحضور تفهماً لوجهة نظر الحريري لجهة أنه اتخذ قراره بأن يبقى خارج البحث في لعبة التسميات لتولّي رئاسة الحكومة، طالما أن هناك من يصر على المجيء بحكومة تكنو – سياسية.
ونقل رئيس حكومة سابق عن الحريري قوله إن تشكيل حكومة تكنوقراط لم يعد في متناول اليد لوجود أكثرية تعارض المجيء بمثل هذه الحكومة، في إشارة منه إلى معارضة عون وباسيل والثنائي الشيعي.
وبالنسبة إلى اجتماع الحريري بـ«الخليلين» علمت «الشرق الأوسط» أنهما حضرا إلى «بيت الوسط» بتكليف من عون وباسيل وفي نيّتهما رغبة بالوقوف على رأيه في اختيار اسم الرئيس المكلف، لأن جميع هؤلاء في حاجة إلى دعمه للوقوف إلى جانب هذه الحكومة لما لديه من قدرة على مخاطبة المجتمع الدولي، إضافة إلى ما يتمتع به من حضور إقليمي.
وبكلام آخر، فإن من يدعم تسمية الصفدي لا يستطيع الاستغناء عن دور الحريري باعتباره من القلائل الذين يؤمّنون مظلة للبلد يمكن الإفادة منها في توفير الحلول لإخراج لبنان من أزماته المستعصية قبل أن تصبح مستحيلة ما لم يصار إلى تدارك الكوارث التي تهدده.
لذلك شدّد «الثنائي الشيعي» على أنه ليس في وارد الهروب إلى الأمام من خلال لجوئه إلى تشكيل حكومة من لون واحد لأن الجميع بلا استثناء يُدرك الخطورة المترتبة على مثل هذا الخيار «الانتحاري»، وبالتالي لا مصلحة في إقحام البلد في مواجهة لا جدوى منها.
ولفت «الثنائي الشيعي» بلسان الخليلين إلى أن الوضع ومهما كانت الاعتبارات لا يحتمل الانجرار وراء صدام داخلي، ورأى أن هناك ضرورة لتشكيل حكومة لمرحلة انتقالية يجب ألا تعمّر طويلاً وأن تكون مهمتها أولاً وأخيراً العمل على وقف الانهيار ولجم التدهور الاقتصادي والمالي.
وحاول «الثنائي الشيعي» تبرير الأسباب التي تدعوه للمجيء بحكومة مختلطة تكنو – سياسية بقوله إن الحضور السياسي فيها يبقى محصوراً بمتابعة الشق السياسي لمنع اتخاذ مواقف غير محسوبة تدفع البلد باتجاه الانزلاق في ظل الظروف الإقليمية والدولية المضطربة. كما أكد أن الحقائب الخدماتية الأساسية ستُسند إلى وزراء اختصاصيين وأن هناك نية للفصل بين النيابة والوزارة، خصوصاً أن تأييد عون في مقابلته الأخيرة لمبدأ الفصل أوجد الأعذار لباسيل لأن يكون خارج التركيبة الوزارية.
وحول عدد أعضاء الحكومة العتيدة تردد بألا تكون فضفاضة وأن يتراوح العدد بين 14 و18 بمن فيهم رئيس الحكومة، وأنه لا مانع من رفعه إلى 24، لكن يبدو أن كل هذه التفاصيل لم تأخذ بعين الاعتبار مقاربة تأمين الضمانات الخارجية للحكومة أكانت دولية أو عربية ومن يتولى تأمينها نظراً للحاجة إليها لتُسهم في مساعدة البلد للتغلب على أزمته المالية والاقتصادية.
وعليه، فإن موعد تحديد الاستشارات لتسمية الرئيس المكلف يرتبط بالاتفاق على اسم الرئيس والعناوين السياسية والاقتصادية وعدد من أعضاء الحكومة، وهذا ما اتفق عليه في المشاورات التي جرت واستقرّت على اسم الصفدي كمرشح لرئاسة الحكومة قبل أن يبادر معظم من سمّاه إلى غسل يديه من تسميته.
ويبقى السؤال، هل يصمد من سمّى الصفدي على تسميته أم أنه أُنزل من لائحة المرشحين تحت ضغط الشارع إفساحاً في المجال أمام البحث عن مرشح آخر؟ مع أن الصفدي سارع إلى استيعاب المواقف الرافضة بقوله إن لديه شروطاً في حال تقرر تكليفه؟
وإلى أن يتبيّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض الذي يتيح لمن تبنّى تسمية الصفدي البحث عن خيارات بديلة أو الذهاب إلى مواجهة مع الشارع في الإصرار عليه، فإن الحريري أحسن في إدارته للمفاوضات وأخرج نفسه من لعبة التأليف والتكليف من خلال صموده على موقفه لجهة مطالبته بحكومة تكنوقراط.