كتب جورج شاهين في صحيفة الجمهورية:
أثمرت المشاورات الجارية في الكواليس المُعلن عنها أو تلك السرية، تسمية الوزير والنائب السابق محمد الصفدي لتأليف الحكومة الجديدة قبل الدعوة الى الإستشارات النيابية الملزمة التي تفضي الى تسميته بحسب ما يقول به الدستور، ولذلك توسعت السيناريوات التي تحاكي الظروف الضاغطة التي ولد فيها الاتفاق وما أراد أطرافه منه والمرحلة المقبلة. وهذه عيّنة مما رافق التسمية وما هو متوقع؟
بمعزل عن كل ما يجري في الشارع وما هو متداول في الأروقة السياسية والدبلوماسية، تجرّأ أحد الأقوياء بعد اتفاق بين أطرافهم الأربعة «حزب الله» وحركة «أمل» و«تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، مُستظلّاً عباءة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، على الإعلان ليل الخميس عن التفاهم على تسمية الصفدي لتأليف الحكومة، قبل أن يوجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الدعوة الى الإستشارات النيابية الملزمة التي تفضي دستورياً الى تسمية الرئيس الذي يؤلف الحكومة بعد جوجلة نتائجها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وقياساً بسلسلة المواصفات التي وضعت لمواكبة عملية التكليف والتأليف، اختير الصفدي من خارج أعضاء مجلس النواب لمنع الإزدواجية بين الموقعين الوزاري والنيابي، ولتأكيد الفصل بينهما ومن أجل تشكيل حكومة تكنو- سياسية أصرّ عليها ثلاثة من أطراف الإتفاق الرباعي، بعدما عجز الطرف الرابع بفِعل حجم الضغوط التي مورست عن تغليب رؤيته لحكومة انقاذ تحدث الصدمة الكبيرة المطلوبة في الشارع المنتفض على كل ما هو تقليدي. ومن أجل حكومة تضمّ مجموعة من التكنوقراط غير المُسيّسين وتقوم بمهمة صعبة لاستعادة ما فقد من الثقة بالدولة ومؤسساتها، في مهلة يمكن برمجتها على مدى الأشهر الستة المقبلة.
وعلى هذه الخلفيات، كشفت المعلومات المتداولة أنّ اسم الصفدي – ورغم التسريبات غير المعروفة المصدر التي تتحدث عن وضعه الصحي وعجزه عن القيام بمهماته – كان مطروحاً بقوة منذ فترة اعقبت استقالة الحريري في 29 تشرين الأول الماضي الى جانب أسماء أخرى منها من لم يتحقق التفاهم عليه بينما رفض آخرون العرض. وقد سبق للصفدي – حسب مصادر «بيت الوسط» – ان زار القصر الجمهوري أكثر من مرة قبل زيارته الأخيرة قبل ايام قليلة للتشاور في آفاق المرحلة، بعد تعثّر التفاهم مع الحريري على صيغة ترضي الجميع وما يمكن ان تكون عليه التطورات المتصلة بالتفاهم المعلن عنه.
وانطلاقاً من القراءة الموضوعية لِما آل اليه التفاهم حتى الآن – ورغم تبرؤ البعض منه – فقد تعدّدت الروايات حول من كان وراء التسمية. وتزامناً مع حضوره منذ اللحظة التي تلت استقالة الحريري، حاول البعض الإيحاء أنّ الحريري كان أوّل من طرحه.
وبعد النفي القاطع من جانبه، قيل انّ حركة موفدي الثنائي الشيعي أمس الأول بين «بيت الوسط «ومرجعياتهما والوزير باسيل، انتهت الى طرح باسيل بالتكافل والتضامن معهما اسم الصفدي على الحريري، الذي ردّ بنفي وجود اي مشكلة طالما أنّ التفاهم جرى بينهم على التسمية. فهو كان واضحاً ولن يشارك أو يذكّي حكومة تكنو – سياسية تثير الشارع، خصوصاً إذا بقي باسيل مطروحاً بين اعضائها ومعه الوزير علي حسن خليل، فهو متيقّن أنّ بعبدا والشالوحي لم يغيّرا رأيهما في عضوية باسيل للحكومة أيّاً يكن الثمن. كما بالنسبة الى تسمية الوزير فنيش ممثلاً لـ«حزب الله» فيها فهو لم يعد نائباً.
على هذه الصورة انتهت خريطة المواقف ليل الخميس – الجمعة، وما ان تسرّب التفاهم على الصفدي عن قصد ومن مصدر لا علاقة لـ»بيت الوسط» به، انفجر الشارع مجدداً. علماً أنه لم تكن قد مرّت أيام قليلة على الاعتصام في أملاك الصفدي في «الزيتونة باي» ولا في إشارة المحتجّين الى المخالفات البحرية المرتكبة في تمدد املاكه الخاصة في البحر على شاطىء البربارة، منذ أن كان وزيراً للأشغال العامة قبل عقد ونيّف من الزمن.
وعليه، رفعت نسبة الشكوك من اعتبار الكشف عن مثل هذا الإتفاق قبَيل منتصف الليل فخاً أو أنه محاولة لجس نبض الشارع بطرح اسم الصفدي لاستفزازه ولتشجيعه على المضي مشتعلاً. فالجميع يعرفون أنّ العملية لا تتم بهذه الطريقة، وانّ مجرد الدعوة الى الإستشارات النيابية الملزمة لتكريس هذا الإتفاق هي التي تؤكد مثل هذا السيناريو – الإتفاق، وإلّا سيكون عابراً للأجواء السياسية من دون أثر بعد يوم أو يومين. فالتفاهم بين هذه القوى الأربع الكبرى ومن يتحالف معها من دون ان يناقشها في موضوع التسمية يضمن للصفدي، إذا كان ترشيحه جدياً، أكثر من ثلثي أعضاء المجلس النيابي بمعزل عن رأي الشارع فيه تكليفاً وتأليفاً.
فكل ما يدعم هذه النظرية يمكن ترجمته بوجود قرار حازم متخذ في بعبدا والضاحية الجنوبية بعدم الإعتراف بما فعلته الإنتفاضة في الشوارع والساحات من متغيرات حكومية بدأت بوادرها باستقالة الحريري. وبتأكيد أهل الحكم الرافضين لأيّ تغييرات محتملة، انّ الكتل النيابية الممثلة في المجلس النيابي هي التي تسمّي الرئيس المكلف وليس الشارع أيّاً يكن حجمه.
فكيف إذا كان هناك من بينهم من يشكك بحجم الاعتراض وإصراره على انهم مجموعة من الميليشيات وقطّاع الطرق يحاولون ركوب موجة ما يسمّونه «الحراك الحقيقي». وهي خطة مفهومة ومبررة تلجأ اليها السلطة الرافضة لأيّ حراك اعتراضي بشكل طبيعي، وهي تبدأ بالتشكيك في نوايا الناشطين فيه واتهامهم بالتبعية للخارج، وربما الأعداء، في محاولة لتفكيك الانتفاضة وتفسيخ نسيجها تمهيداً لاستيعابها وإنهاء مفاعيلها وكأنها لم تكن.
لا يستطيع المراقبون أن يستنتجوا من كل هذه القراءة وما رافقها من سيناريوات متناقضة أنّ أحداً من أهل الربط والحل لا يريد ان يصدق أنّ البلاد تعيش في أزمة حقيقية. وانّ هناك مَن طمأنهم أنّ الأزمة مؤجلة بتردداتها السلبية الخطيرة لبعض الوقت، وأنّ هامش الحركة أمامهم ما زال مفتوحاً الى أجل يمكن من خلاله السعي الى تغيير المعادلات لفرض ما يناسبهم منها أيّاً يكن الثمن. فالغاية تبرر كل الوسائل المتاحة، ومن يَعش يرَ.