IMLebanon

رسوم غرافيتي «الثورة».. تجتاح أحياء وسط بيروت الفاخرة

على جدار إسمنتي في وسط بيروت، تضع حياة لمساتها الأخيرة على رسم طائر الفينيق وهو يفرد جناحيه قرب رسوم غرافيتي غزت واجهات المباني الفاخرة، مواكبة لاحتجاجات غير مسبوقة يشهدها لبنان وتطالب برحيل الطبقة السياسية.

إلى ساحتي الشهداء ورياض الصلح المتجاورتين، توافد عشرات الآلاف من اللبنانيين خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة للتعبير عن غضبهم من السلطة الحاكمة، مغيرين بشكل كبير مشهد شوارع معروفة بمحالها وأبنتيها الأنيقة.

وتقول الرسامة حياة ناظر (32 عاما) التي تختبر تجربتها الأولى في فن الشارع، بينما تحمل سيجارة في يدها، لوكالة فرانس برس «قررت الانتقال إلى الشارع لأتمكن من أن أستلهم من الشعب والمتظاهرين».

على حافة إسمنتية أمامها، تضع حياة عبوات تحتوي على طلاء أحمر وأخضر وأصفر.

تنحني الرسامة التي ترتدي سروالا رياضيا وقميصا أسود اللون، لتضع لمساتها الأخيرة على رسم طائر الفينيق المنبثق من غابة مشتعلة.

وتقول «طائر الفينيق يذكرنا بأننا كلبنانيين علينا ألا نيأس. ففي كل مرة نقع فيها، نقف مجددا ونطير نحو الحرية لنحصل على مطالبنا».

تغطي رسوم غرافيتي كثيرة «حائط الثورة» كما يسميه الرسامون، وهو جدار ضخم يحمي مقر الإسكوا التابع للأمم المتحدة. بين هذه الرسوم، راقصة باليه تدور تحت القذائف وخلفها كلمة «ثوري» وعلى مسافة قريبة يد كبيرة لونها بنفسجي ترفع شارة النصر.

على جدران مبان مجاورة، رسمت لوحات وكتبت شعارات برذاذ ملون أو عبر الطباعة. ومن بينها «نريد إحراق قصوركم» و«جوعتمونا» و«ثورتنا نسوية». ويظهر ذلك تنوع القضايا والمطالب التي يرفع المتظاهرون لواءها.

وتنتشر على الجدران كذلك رسوم كاريكاتورية لزعماء سياسيين يشكلون محط انتقاد ونقمة المتظاهرين، أبرزهم رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

ويبدو لافتا التناقض بين الرسوم والأبنية الفخمة في المنطقة التي أعيد بناؤها بالكامل مطلع التسعينيات بعدما دمرتها الحرب الأهلية (1975-1990).

على مسافة قريبة، حل قبل سنوات مجمع تجاري كبير مكان الأسواق التقليدية القديمة التي كانت قبلة زوار بيروت قبل الحرب الأهلية. أمام مبنى البرلمان في وسط ساحة النجمة المطوقة من القوى الأمنية، ترتفع ساعة «روليكس» عملاقة.

وعلى بعد عشرات الأمتار، مقرات المصارف ومحال للعلامات التجارية العالمية الفاخرة.

ويقول الرسام والناشط الحقوقي سليم معوض لفرانس برس «باتت هذه المدينة أيقونة الرأسمالية»، مضيفا أن المسؤولين «أعطونا مدينة لا تشبهنا بل تشبههم هم، لم يتركوا أي ذاكرة من بيروت القديمة ومن بيروت الحرب».

في هذا الوقت، يضع سليم الذي اعتمر قبعة زرقاء اللون لمسات إضافية على أحد رسومه المستوحى من الأساطير ويضم ثيرانا منمقة. ويكتب بأحرف كبيرة «ما مصير ثورتنا؟».

ويعتبر سليم أن في لبنان كما في العالم العربي أو حتى في بعض دول أميركا اللاتينية، حركات الاحتجاج هي سياسية لكن أمرا واحدا يجمعها هو أن «الناس يعبرون عن أنفسهم تحصل عملية تحرر للشخص والنفس وهذا هو أساس الثورة».

ويشدد الرجل الأربعيني على رمزية رسوم الغرافيتي في وسط بيروت.

ويؤكد بينما آثار الطلاء على قميصه وذراعيه وحتى وجهه، «هناك من يقول لا يمكن أن ألمس هذا المبنى، ولا يمكن أن أعيش فيه وبالتالي سأترك أثرا عليه».

ويأمل سليم أن تتم المحافظة على الرسوم كونها «ذاكرة الانتفاضة. إذا نزعت سننسى، لأن الإنسان بطبعه ينسى». ويمكن مشاهدة رسوم سليم في ساحة رياض الصلح ومحيطها.

في 29 أكتوبر، هاجم أنصار أحزاب مناهضة للحراك، متظاهرين كانوا في الساحة ودمروا خيمهم.

وكان سليم في المكان أثناء الهجوم وتعرض للضرب وصودرت دراجته الهوائية. وكتب في رسم قرب ثور يحمل دراجة حمراء، متوجها إلى السلطة الحاكمة، «أعيدوا أموالنا المنهوبة ولا تنسوا البيسيكلات»، أي الدراجة.

ولا تقتصر رسوم الغرافيتي على وسط بيروت. في مدينة طرابلس (شمال) التي لم يتوقف أهلها عن التظاهر يوميا منذ شهر، تحول مبنى من طبقات عدة يشرف على ساحة النور، ساحة التظاهر المركزية، بمنزلة لوحة عملاقة في الهواء الطلق.

وتمتلئ واجهات المبنى الذي لم يستكمل بناؤه منذ سنوات، برسومات يزينها علم لبناني ضخم وشعارات عدة أبرزها «لبنان ينتفض» و«طرابلس مدينة السلام».

وعلى واجهة خلفية للمبنى، رسم الفنان الفلسطيني السوري غياث الروبي قبل أيام صورة كبيرة للشاب علاء أبو فخر الذي قتل قبل أيام جنوب بيروت برصاص عسكري خلال إشكال لدى قطع المتظاهرين طريقا حيويا، وأطلق المتظاهرون عليه لقب «شهيد الثورة».