بمعزل عن شرعية او دستورية جلسة مجلس النواب الثلثاء نسبة لتعدد الاراء في هذا الشأن شكلا وتوقيتا والعودة الى طرح تشريع الضرورة غير المتناسب مع الظرف الراهن في البلاد، تتركز انظار اللبنانيين الى مخاطر البت ببعض اقتراحات القوانين الواردة في جدول اعمالها وتحديدا القانون الخاص بالعفو العام وإنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية .
بالنسبة الى الاقتراح الأول، توسعت الملاحظات ومعها الدعوات لتأجيل البحث فيه لجملة اسباب. ويعتبر مرجع دستوري عبر “المركزية” ان الاقتراح، ان جرى البت به راهنا، فإنه يشجع على ارتكاب الجريمة في ظل امكانية التفلت من العقاب. اذ يوفر العفو لمن ارتكب الجرائم التي تتجاوز المخالفات والجنح الى الجنايات ومرتكبي العنف الاسري والاغتصاب ويساوي مروجي المخدرات بضحاياهم. كما يعفي من الجرائم المرتبطة بالأرهاب والعصابات. وعلى رغم انه يستثني المرتكبين المعتدين على الجيش والقوى الأمنية حصرا، فإنه يتيح فرصة العفو عن المخططين والمحرضين والمشجعين.
كما ان الاقتراح لا يشمل المحكومين بل الفارين من وجه العدالة ويلغي بلاغات البحث والتحري ومذكرات التوقيف ويعطل مسار الأجهزة الأمنية والقضائية المكلفة حماية اللبنانيين. وإن استثنى الاقتراح جرائم قتل العسكريين والمدنيين وما يتصل بنقل المتفجرات والاعمال الارهابية، إلا انه خفض العقوبات بنسبة الثلثين والتي تشمل الجرائم المتصلة بالفساد وتبييض الاموال والإثراء غير المشروع والإتجار بالبشر.
اما في توقيته، فيعتبر الأسوأ، اذ ليس من دولة في العالم تصدر قوانين العفو دورياً، وقد لجأ بعضها الى هذا الخيار في حالات محددة عند اجراء المصالحات الوطنية الكبرى او لتجاوز ازمات تاريخية، وهو ما يتناقض مع وضع لبنان اليوم الذي يشهد الانتفاضة الكبرى انتصارا لاستقلالية القضاء وسيادة القانون ووقف الجرائم، وان كان هناك مظلومون ارتكبت بحقهم مخالفات ما، فالقانون العام هو الكفيل بتصحيح اوضاعهم وليس قانـون العفو.
اما بالنسبة الى اقتراح القانون الرامي إلى إنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية، فيتوقف المرجع الدستوري امام جملة الملاحظات التي تمس القانون في جوهره وتمنع تطبيق أهدافه النبيلة بمكافحة الفساد، وتوفر آليته الفرص الذهبية لتعزيز الحصانة الإضافية لمن يفترض محاكمته، وستزيد الإحباط بشأن أي عملية إصلاحية يطالب بها اللبنانيون. مرد هذه المخاوف يعود الى ان الاقتراح تجاهل وجود المحاكم التي ترعى مثل هذه الحالات وربط المحكمة بمجلس النواب وجعل تأليف هيئتها عبر الانتخاب في هيئته العامة ،كما المحامين العامين وقضاة التحقيق. كما حصر الاحالة الى المحكمة بناءً على إخبار يتقدم به عشرة نواب على الأقل أو بناءً على تقرير من التفتيش المركزي أو على قرار من ديوان المحاسبة، وبالتالي فإنه يمنع المتضرر من الادعاء مباشرة أمامها.
وانتهى المرجع الدستوري الى القول ان مثل هذه الآلية ستقود حتما الى تجاهل كون القضاء “سلطة دستورية مستقلة” وبجعل المحكمة تابعة للسلطة التشريعية، بما يخالف المادة عشرين من الدستور ويجعلها شبيهة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، الذي لم يحاكم احدا لانه لم يجتمع يوما.