كتب ميسم رزق في “الاخبار”:
طوَت القوى السياسية ورقة الوزير الساِبق محمد الصفدي، وعادت الى المربّع الأول في مفاوضات تأليف الحكومة. الواقع السياسي أصبح أكثر توتراً مع حرب البيانات التي انفجرت بين «المستقبل» و«الوطني الحر» بعدَ محاولة كل منهما التنصل من ترشيحه.
في وقت تُطبِق الأزمة الإقتصادية والمالية والنقدية على البلاد، يقود رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري حرب إلغاء على كل «منافسيه». كل شخصية مرشّحة لأن تكونَ خلفاً له لتأليف الحكومة باتَت مُدرجة لديه على لائحة «الحرق». في الأصل، يُدرك الحريري أن الرئيس السابق فؤاد السنيورة خيار مُستبعد، بحكم الغضبة السياسية والشعبية، وقد قدّم له الرئيسان السابقان نجيب ميقاتي وتمام سلام خدمة بأن استبعَد كل منهما نفسه بنفسه عن السِباق. ووجد في الإتفاق على إسم الوزير السابق محمد الصفدي فرصة لإزاحته، ونجح في ذلك.
أساساً، راهن الحريري على إسقاط الصفدي في الشارع، وصدق رهانه. تفاقمت النقمة الشعبية إثر تسريبات وتصريحات أكدت توافق القوى السياسية الرئيسية في البلاد على تكليف الصفدي قبل بدء الإستشارات بموجب الدستور، فلم يُكمل 48 ساعة رئيساً إفتراضياً. أعلن انسحابه، بعد تنصل رؤساء الحكومات السابقين من دعمه وتأكيدهم ترشيح الحريري، لكنه ربطها «بصعوبة تشكيل حكومة مُتجانسة، مدعومة من جميع الأفرقاء السياسيين، وتتخذ إجراءات انقاذية فورية تضع حداً للتدهور الإقتصادي والمالي». عند هذه النقطة انطفأت محركات المفاوضات الحكومية، ومنها اندلعت حرب بيانات بين متفاوضَين أساسيَين بعد محاولات كل منهما نفض يده من الصفدي الذي ظهر في نهاية الأمر «كمرشّح يتيم». حرب سرعان ما انضمّ اليها طرف ثالث هو الصفدي!
فصباحَ أمس، أعلن المكتب الإعلامي للحريري أنّ «باسيل هو من اقترح وبإصرار مرتين إسم الوزير السابق محمد الصفدي لرئاسة الحكومة المقبلة»، وأن «الحريري سارع الى إبداء موافقته عليه نتيجة هذا الإصرار»، معتبراً أن «التيار الوطني الحر يُمعن في تحميل الحريري مسؤولية انسحاب الوزير الصفدي كمرشح لتشكيل حكومة جديدة». بيان اعتبرته اللجنة المركزية للإعلام في التيار الوطني الحر «افتراءات وتحريفاً للحقائِق». اللافت في البيان العوني عدم حصر الردّ بترشيح الصفدي، بل فتحَ الباب على موضوع طويل لم يكُن هناك متسّع لنقاشه حين كانت الأمور «ماشية» بين الحريري وباسيل. عادَ العونيون الى «السياسات الإقتصادية والممارسات التي كرست الفساد منذ 30 عاماً»، معتبرين أن «سياسة الحريري تقوم على مبدأ أنا أو لا أحد على رأس الحكومة». وفي خضم التراشق بين الحريري وباسيل، رد المكتب الإعلامي للصفدي على بيان الحريري متهماً اياه بالتراجع عن اتفاق بينهما، قائلاً إن «المرحلة تتطلب وضع الخلافات السياسية جانباً، وانطلاقاً من تخطي الوعود التي على أساسها قبلت (التكليف)، والتي كان الحريري قطعها لي ولم يلتزم بها لأسباب أجهلها». وهو ما ردّ عليه عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل مصطفى علوش بالقول «نصيحة لوجه الله عد سريعاً للنوم».
احتراق ورقة الصفدي أذكت التجاذب بين منطقين يحكمان الأزمة التي يبدو أنها دخلَت مرحلة المراوحة. فبعدَ أن ثبُت لفريق 8 آذار بالوقائع «مراوغة الحريري»، على حد قول مرجع فيها، بات أركانه الأساسيون أكثر إصراراً على حكومة تكنو – سياسية برئاسة الحريري أو مَن يحظى بغطائه، أضف الى ذلك مشاركة تيار المُستقبل فيها. وتؤكّد مصادر فريق 8 آذار أنه «يفاوض انطلاقاً من التوازنات الداخلية التي كرستها الإنتخابات النيابية الأخيرة من جهة، ومن جهة أخرى ما تحمله هذه الأزمة من امتدادات اقليمية ودولية، وتحديداً في ما يتعلق بحكومة التكنوقراط التي تعني خروج حزب الله من الحكومة، وستكون بمثابة هدية للولايات المتحدة بعدَ التأكد بأن ما يجري هو انقلاب سياسي». مع ذلك، يستمر هذا الفريق في «تزكية تكليف الحريري تحت ضغط المخاوف من استحضار سيناريوهات أمنية في التعاطي مع حكومة مواجهة أو حكومة تفتقد لمظلة الحريري». إلا أن «الحريري الذي ما مِن صداقتِه بدّ» كما تقول المصادر، لن يكون قادراً على «اللعب في الوقت الضائع كثيراً، لأن البلاد لا تحتمِل التأجيل أسبوعين إضافيين… ومن بعدهما كلام آخر». وأكدت المصادر أن «المفاوضات الحكومية متوقفة مع الحريري حالياً، ومنذ انسحاب الصفدي لم يسجّل أي اتصال بين المتفاوضين، بانتظار أي جديد من الحريري». وقالت المصادر: «إذا كان الحريري يريد التحدي، فعليه أن يتلقّى». فيما أكّدت مصادر التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» أن التيار «يدرس عدّة خيارات بعد العرقلة المتعمدة من الحريري واعاقة كل الحلول بغية فرض نفسه».