كتب د. بيار الخوري أكاديمي وخبير اقتصادي في صحيفة “الجمهورية”:
الأزمة المالية – النقدية القائمة حالياً، أزمة مركّبة لها أبعاد تتصلّ بأزمة سوء الإدارة الاقتصادية وأخرى تتصلّ بقدرة الولايات المتحدة على استخدام ما يُعرف بـ”دبلوماسية العملة”.
نحن جميعاً ننظر الى ما يجري في لبنان ضمن منظورين كبيرين:
1- إنّها أزمة سوء إدارة المنظومة الحاكمة، او ما يُعرف هنا بالطبقة السياسية، التي ادّت إلى انفجار الشارع.
2- انها أزمة جيوستراتيجية متصلّة بالصراع الإقليمي مطلوب بموجبها إخضاع لبنان وتخفيف سطوة الفريق المتحالف مع إيران ضمن الطبقة السياسية.
يتمّ النظر إلى أزمة القطاع النقدي بصفتها أزمة ملحقة بإحدى المقاربتين او بصفتها سلاحاً يتمّ استخدامه في معركة الاخضاع.
ولا شك في انّ هذا التحليل رصينٌ في معظم ابعاده. فمن المنطقي ربط كل العناصر وأوراق الضغط في هذا الصراع الكبير ولكن…
انّ الأزمة المالية – النقدية اليوم هي أزمة مركّبة لها أبعاد تتصلّ بأزمة سوء الإدارة الاقتصادية وأخرى تتصل بقدرة الولايات المتحدة على استخدام ما يُعرف بـ”ديبلوماسية العملة”، ولكن علينا ألّا ننسى أنّ هناك آليات عميقة يعمل بموجبها هذا النظام، تعاني اليوم انسداد الأفق قبل وبعد، مع ومن دون العنصرين آنفي الذكر.
يعتقد كثيرون ممن يتابعون الشأن الدولي، وضمناً رجل الاعمال العربي المرموق طلال ابو غزالة، انّ مركز تفجّر الأزمة الاقتصادية العالمية المتوقعة اعتباراً من العام 2020 سيكون في الولايات المتحدة الاميركية لكونها لعبت دور مفجّر الازمة عام 2008 ولكونها الاقتصاد الاكبر في العالم والاقتصاد القادر على لعب دور القاطرة للاقتصاد العالمي.
ولكن، لنقرأ ما كتبه “هاردينغ هيل” رئيس قسم الاقتصاد سابقاً في جامعة لندن، والاستشاري في اللجنة الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي حول مخاطر الاقتصاد النقدي الايطالي: “جوهر الأزمة الاقتصادية الإيطالية ككل الأزمات الاقتصادية الفردية والجماعية، أن تعيش وتحيا في مستوى يتجاوز قدراتك المالية، ولهذا تعتمد على الاستدانة والاقتراض، ومع مرور الوقت تقترض لتسديد ما عليك من ديون، وتتفاقم الأزمة، فتقترض لسداد فوائد الديون وليس الأصول، وتتفاقم المأساة عندما لا تجد أحداً يقوم بإقراضك، في الوقت الذي يحين فيه موعد سداد ما عليك من ديون”.
ويخلص هيل الى استنتاج مفاده انّ سقوط ايطاليا (ثالث اكبر اقتصاد في منطقة اليورو) سوف يفجّر اقتصادات الاتحاد الاوروبي الذي سيلعب عندها دور المحفز للانهيار الاقتصادي العالمي برّمته. دعنا نعترف انّ الشكل الدراماتيكي الذي تتخذه الظروف الايطالية يشبه ما تعانيه كل الانظمة المصرفية في العالم من الهروب الى تخمة الاقراض للحفاظ على العائد المتوقع على الرساميل.
كما انّ مراجعة ما قاله هيل تسمح لنا بتخيّل وضع شديد الشبه بما تعانيه المصارف اللبنانية، والتي تموّل فئتين كبيرتين تعيشان على الدين، وبأكثر مما تسمح به قدراتهما الحقيقية: القطاع العام والقطاع الخاص بمؤسساته وافراده.
انّ درجة تورّط المصارف بقروض التجزئة، ناهيك عن التورّط بالدين العام، يشيان بمخاطر جدّية في ظل تنامي الصرف من العمل وسياسة نصف الاجر وتأجيل الدفع.
يشبه وضع المصارف اللبنانية كثيراً وضع المصارف الايطالية (الفارق الرئيسي انّ القدرة على اقراض الحكومة محكومة بسياسات الاتحاد الأوروبي لا برغبات الحكومة المحلية).
كما لعب لبنان دور المختبر في مناسبات كثيرة ومختلفة الطبيعة، فهل يلعب اليوم دور بروفا الانهيار العالمي القادم؟ كل شئ وارد.