كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
إنخفض ضجيج الحراك السياسي أمس، بعد يومين من حرب المصادر والبيانات التي توزّعت على كل الجبهات، لينتهي المشهد بإعادة الحسابات وتقييم الأوضاع ويمكن القول إننا أمام ثلاث قراءات للوضع: الرئيس نبيه بري ورئيس “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط يريان استعصاءً للحلّ، الرئيس سعد الحريري يراهن على الحاجة إليه ليعود بشروطه، و”حزب الله” لا يزال يرى بقعة ضوء رغم كلّ شيء.
عندما لا يدع بري مناسبة أو فرصة إلا ويعبّر من خلالها عن تشاؤمه أو قلقه من الأوضاع، فهذا يعني إشارة إلى النفق المظلم الذي دخلت البلاد في خضمه، وأن المبادرات انكفأت. وعندما يتموضع جنبلاط خلف منصة “تويتر” للتعبير عن امتعاضه فهذا يعني أن لغة الحوار قد تعطلت.
مرحلة إستعصاء الحل أوجبت التعاطي مع موضوع الحكومة كل لحظة بلحظتها. انكفأ الحراك الحكومي أمس، وصمت الجميع عن الكلام المباح في محاولة لتهدئة النفوس المشحونة. غير أن كل طرف بقي مستنفراً خلف مطالبه، ملقياً باللوم على الطرف الآخر. وما بين الطرفين حراك في الساحات يعلو صوته ويخفت وقد بات واقعاً يصعب تجاوزه، إضافة إلى أزمة مالية مستفحلة.
إنقطع التواصل بين الحريري و”حزب الله” وبين الأول وباسيل، بعدما سقطت تزكية اسم الوزير السابق محمد الصفدي بالضربة القاضية ليكون أولى ضحايا الحراك الحكومي. قُدّم الرجل ككبش فداء من كلا الطرفين، وكلاهما كان يعلم في سره وفي العلن عدم صوابية الخيار.
عاد البحث الحكومي إلى المربع الأول. هي فترة سماح لأيام يؤمل أن يستأنف بعدها التواصل. غابت المساعي ودخل البلد في جمود و”القصة طويلة”، وفق ما يرى “حزب الله” وحلفاؤه، أما حكومة اللون الواحد كبديل فطرحها غير وارد من قبلهم والفكرة لم تناقش من الأساس. يلعب الحريري لعبة المناورة وفق ما يرى خصمه السياسي، ويتقصّد أن يقول من خلالها ليس بإمكانكم التخلي عني والحكومة أريدها بشروطي. يصرّ على ترؤس حكومة تكنوقراط، ليس فيها تمثيل لـ”حزب الله”، ويراها الخصوم ضرباً لقاعدة التوازن البرلماني التي أوجدتها الانتخابات النيابية وأن يترأس حكومة مع صلاحيات استثنائية. حتى أنه رفض صيغة حكومة مكونة من ثلثين تكنوقراط وثلث سياسي من غير المحازبين، على أن مطلبه الملح رفض مشاركة باسيل في الحكومة أو في الاستشارات الحكومية، مطالباً بالتحاور مع بديل منه. مطالب يعدها الطرف الآخر بمثابة انقلاب على العهد ترفضه قوى الثامن من آذار. هي لعبة تحسين الشروط وتقاذف المسؤوليات ويخسر من يصرخ أولاً.
يحاول الحريري تحسين شروطه للمرحلة المقبلة، آملاً أن تكون أفضل من سابقاتها على مستوى تشكيل الحكومة وإدارة الأمور داخل مجلس الوزراء وخارجه. يوم أنتج التسوية مع “التيار الوطني الحر” أبلغ الخارج أن هذه الخطوة من شأنها ان تسحب “الوطني الحر” من تحت عباءة “حزب الله”، الذي سيكون اكثر مرونة في التعاطي. كان العتب عليه أنه أخل بالتوازن وسمح بسيطرة “حزب الله” و”الوطني الحر” على البلاد سياسياً واقتصادياً، وبدل أن يواجه إيران ويحدّ من سيطرتها، سلّم البلد للمحور الايراني وهذا ما ادى إلى وقوع لبنان في أزمات متتالية سياسية واقتصادية، فيما هو كان تعهد منذ التسوية الحفاظ على الدستور وتنشيط الاقتصاد وهذا ما لم يتحقق.
سبق للحريري أن سمع هذا الكلام خلال زيارات عربية ودولية. يريد الحريري اليوم تغيير المشهد الحكومي كلياً من جهته، وأن يحقق ما عجز عن تحقيقة يوم كان رئيساً للحكومة المستقيلة. يريد تحسين ظروف ترؤسه للسلطة التنفيذية في المستقبل، ويخوض غمار المرحلة المقبلة على أساس تسوية جديدة لا يكون باسيل ضمنها، ويريد التفاوض مع رئيس الجمهورية والأطراف المعنية مباشرة بالحكومة. شروط ليس من السهل على قوى الثامن من آذار الانصياع لتنفيذها وهي ترى أن المظلة الدولية والعربية منكفئة عن دعم الحريري بالمباشر، فأميركا وعلى الرغم من تصريحات بعض مسؤوليها، إلا انها دخلت في غمار التحضير لانتخاباتها الرئاسية وفرنسا فقدت حضورها القوي دولياً، أما عربياً فأولى بالدول أن تلتفت الى حالها من أن تعالج وضع لبنان.
كل ما تقدّم لا يحمل “حزب الله” على القلق. فخلال لقاء سياسي لفاعليات المجتمع المقاوم، أكد رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين أن “ثمة بقعة ضوء داخل النفق المظلم قد تحمل معها بشائر خير للبلاد. صحيح أن هناك قلقاً من مسار متوتر للأوضاع، لكن يوجد لكل موقف خطة تحرّك تبنى عليه خارج سيناريوات التوتر، ومنها توقع أن تكون الاستشارات النيابية قريبة وإن لم يعن ذلك وجود حكومة سريعاً، ولكن ثمة في الأفق عوامل انفراج يتكتم المعنيون عن تفاصيلها”.