كتب أنطون الفتى في وكالة “أخبار اليوم”:
نصف راتب أو مبلغ مقطوع. هكذا أصبح حال رواتب المعلمين في كثير من المدارس، حيث بات الظّلم سيّد الموقف، بذريعة الأوضاع المعيشية الصّعبة. وهنا السؤال يكون، هل ان المؤسّسات التربوية اللبنانية منخفضة “المناعة” الى هذه الدّرجة، لكي تترنّح بهذه السّرعة، وبعد شهر واحد من بدء ثورة 17 تشرين الأول؟ الجواب الصّادق هو لا، بل إن كذب ونفاق القيّمين على تلك المؤسّسات هو السبب في إيصال أساتذتها وموظّفيها الى هذا الوضع المزري.
ثورة 17 تشرين الأوّل تُطالب بما يُعطي الشعب اللبناني حقوقه، وبعَدَم نظر الدّولة الى واجباته تجاهها فقط. ولا يُمكنها (الثورة) أن تكون سبباً للتهرُّب من دفع الرواتب في المؤسّسات التربوية، في عمليّة تبرّر حبّ المال وروح السّرقة الموجودة لدى بعض مدراء المدارس، والجهات التي يتبعون لها.
ضمير؟!…
ولكن، بما أن ما يحصل، يحصل بالفعل، ودون أي اهتمام بقوانين أو قضاء، أو حتى بضمير، فإننا نسأل عن المخارج المُتاحة أمام الأساتذة في تلك المدارس، في شكل يحرّر حقوقهم من العمل النقابي الحاصل بلباس سياسي؟ وهل يُمكن لما حصل في نقابة المحامين أن ينسحب على نقابة المعلمين التي باتت بحاجة الى من يضرب بيد من حديد فيها. يد من حديد متحرّرة من أي التزام سياسي، لن يهتمّ في النهاية إلا بضرورات ترسمها البطاقة الحزبيّة وأولوياتها وشروطها؟
الذهاب في ما هو أبعد من الإعتصام والتظاهُر يبقى مُمكناً إذا أخذنا في الاعتبار أنّه يُمكن للأساتذة أن يعلّقوا الدّروس في المدارس حتى إشعار آخر، وينزلوا الى الشارع مع الطلاب، فيشكّلون في تلك الحالة خزّاناً إضافياً للثوّار. أما تعويض الدّروس المتراكمة في ما بعد، فهو ليس حجّة للإمتناع عن تنفيذ ذلك، إذ يُمكن التخفيف من البرامج التربوية. كيف؟
فباعتراف الإدارات والأساتذة والأهالي والطلاب والجميع، تحوي المناهج التربوية الكثير من دروس “الحشو” التي لا تنفع إلا لإضاعة الوقت. فهذه كلّها يُمكن الإطاحة بها للعام الدّراسي 2019 – 2020، بمعيّة التركيز على الدّروس الأساسيّة جداً (قواعد، grammaire، Orthographe، Conjugaison، دروس الرياضيات… مع إمكانية تعليق العمل بحصص الرياضة والنشاطات الترفيهية، والمواد غير الأساسية، وإلغاء الرحلات، التي يمضي الطالب أكثر من نصفها عملياً بـ “كثرة الحكي”، وذلك إستثنائياً، وللعام الدّراسي الحالي فقط. ومن هذا المنطلق، لا تعود تبرز أي حاجة لجلب الطلاب الى المدارس في أيام السبوت والأعياد، وكأننا في بلد ضربته الطائرات الحربية، واحتلّه الغزاة الأجانب بعد حرب ضروس!!!…
دفعوا…
شدّد نقيب المعلمين السابق في المدارس الخاصّة نعمة محفوض على أن “المدرسة الخاصة تستوفي القسط من الأهالي على ثلاث دفعات. والمدارس الخاصّة بدأت بالعام الدّراسي في منتصف أيلول تقريباً، أي قبل شهر من اندلاع ثورة 17 تشرين الأول”.
وأكد في حديث الى وكالة “أخبار اليوم” أن “خلال هذا الشهر، معظم الأهالي دفعوا الدفعة الأولى من القسط. والدفعة الأولى تغطّي عملياً أربعة أشهر. وبالتالي، إذا كانت المدارس أخذت من الأهالي ما يغطّي أربعة أشهر، فكيف تدفع لأساتذتها رواتبهم الأصلية لشهر واحد فقط؟”.
وأشار محفوض الى أنه “في عودة قليلة الى الوراء، نجد أن العديد من المؤسّسات التربوية رفعت الأقساط على الأهالي، وحصلت على دفعات إضافية بحجّة سلسلة “الرتب والرواتب”. فضلاً عن أن 70 أو 80 في المئة من المدارس، لكي لا نقول كلّها، لديها “مؤونة مالية”، ولا يُعقَل أن تقول بعد شهر من بدء العام الدراسي إنها لا تملك المال، وإنها لا تريد أن تدفع الرواتب الأصلية لأساتذتها”.
ولفت الى أن “إدارات المدارس، وكما استعملت “السلسلة” قبلاً كشمّاعة، لزيادة الأقساط على الأهل، فإنها تتذرّع حالياً بالثورة الشعبية وبالإقفال، لكي لا تدفع للأساتذة”.
واستغرب كيف أن “لا موقف صارماً جداً صدر من نقابة المعلمين تجاه ما يحصل. فالكلام الظاهري لم يَعُد ينفع، لأن الأمور باتت تحتاج الى موقف صارم، والى تحميل وزير التربية (أكرم شهيب) مسؤولية ما يحصل. ويتوجّب على نقابة المعلمين أن تقوم بدعوة الأهالي للوقوف الى جانبها، لا سيّما أنهم دفعوا القسط الأول من العام الدراسي الحالي”.
تعليق العام الدراسي؟
ورداً على سؤال حول إمكانية نزول الأساتذة والطلاب الى الشارع، وتعليق العام الدراسي لفترة محددة، بهدف الضغط على إدارات المدارس، أجاب محفوض:”هذا الموضوع يرتبط بالإنتفاضة الشعبية، وبما إذا كان سيتمّ تشكيل حكومة مستقلّين تبدأ القيام ببعض الأمور الضرورية للناس”.
وأضاف:”الموضوع أكبر من أن يتم العمل عليه ضمن الإطار الداخلي للمدارس فقط، في وقت يتمّ استغلال بعض الأمور من أجل تجميع المال، من قِبَل البعض، مع الأسف”.
وقال:”راتب كامل ليس ممكّناً لعائلة من العيش، فكيف الحال بنصف راتب. في وقت أن بعض المؤسسات التربوية العريقة والكبيرة لم تدفع الرواتب للأساتذة منذ أشهر، رغم أن الأهل يدفعون الأقساط، وهذا لا يجوز أبداً. وهذا يزيد النّقمة والثورة لدى الناس”.
الحل؟
وعن الحلول، رأى محفوض “أنني لست في موقع القرار في الوقت الراهن، ولكن نقابة المعلمين تبدو غائبة عن الثورة أصلاً، فيما شعاراتها (الثورة) ومطالبها هي نفسها التي رفعتها هيئة التنسيق النقابية قبل سنوات”.
وختم:”العمل النقابي يستوجب الإبتعاد عن العمل السياسي، وهذا ما يمكنه أن يعبّر عن نبض وحقوق الأساتذة. فالإنتفاضة الشعبية ستطيح بكل الهياكل النقابية التي لا تمثّل حقوق الناس ومشاعرهم وهمومهم، بسبب وضع يد السلطة السياسية عليها. وما حصل في نقابة المحامين يجب أن ينسحب على نقابة المعلمين، كما على نقابات المهن الحرة، والإتحاد العمالي العام”.