كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:
عندما يضحك الشعب على شعارات مكافحة الفساد، وعلى إمكانيات النهوض بالبلاد إقتصادياً ومالياً، فذلك يعني ان هذا الشعب فقدَ ثقته الكاملة بمؤسسات الدولة. وفي العادة تسقط الدول عندما تندثر الثقة بمؤسساتها وإداراتها.
في خضمّ زعزعة الاستقرار النقدي ومن خلاله المعيشي، أصبح من الضروري أن تترافق مع المحاسبة في الشارع، مع أخرى “مؤسساتية” لكل من تعاقبوا على الحكم منذ التسعينات ولغاية اليوم، واستفادوا من مغانم “البقرة الحلوب”، فوحدهم ومعهم مصرف لبنان، يتحمّلون مسؤولية كلفة الوقت الضائع الذي يتكبّده لبنان، كلّ لبنان. المطلوب اليوم من قِبل الشعب الثائر ومن المجتمع الدولي واحد: توزيع عادل للخسائر، وهذا ما يندرج ضمن عمل حكومة التكنوقراط المنتظرة، وبالتالي إعادة ما أمكن من جيوب “المستفيدين” الكبار لتعويم خزينة الدولة.
عن مهمة الحكومة الجديدة وكيفية توزيع الاكلاف، يوضح النائب السابق لحاكم مصرف لبنان سعد العنداري أن “على الحكومة الجديدة أن تحظى بصلاحيات تشريعية لتتمكن من تحقيق الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي كما ومن المواطنين، والتي تتضمن 18 بنداً نصت عليها خطة “سيدر” العام 2018 وعلى رأسها قانون مكافحة الفساد والموجود حالياً لدى الهيئة العامة لمجلس النواب، لكنه بحاجة إلى إقرار بعض التعديلات البسيطة عليه”.
ويوضح العنداري أن “تسمية الهندسات المالية ليست دقيقة، فما حصل كان عملية تبادل سندات الخزينة بالليرة مقابل الدولار ما بين المصارف والبنك المركزي. صحيح أن هذه العملية (swap) حققت للمصارف أرباحاً ولكن الارباح المسجّلة تُعتبر آنيّة كما أنها توزّع على آجال استحقاق السندات التي تمّ التبادل فيها. كان الهدف من عملية التبادل تحسين رسملة المصارف وملاءتها، ولكن تجدر الاشارة الى أن الارباح تعود وتُحسم من أرباحها خلال الاعوام المقبلة. أما عن وضع المصارف وسيولتها فهو لا يزال تحت السيطرة. للمصارف سيولة لكنها بحاجة إلى المحافظة على كتلتها النقدية. من هنا فإن الاجراءات المتّخذة تُعتبر احترازية وليست بالتالي قيوداً على حركة الرساميل التي تحتاج الى قانون”. مرحلة الآلام
من جهته، يوضح الاقتصادي روي بدارو أن”هذه المرحلة تعتبر مرحلة توزيع الآلام وليس فقط الاكلاف.على كل من استفاد قانوناً أو بطرق غير قانونية أن يتحمّل الألم دون غيره. خلال الاعوام الـ10 الاخيرة إستفاد عدد قليل من مكونات المجتمع مالياً ونقدياً وراكموا ثروات على حساب الاكثرية”.
ويتابع: “في ما خصّ الـ”haircut” أي قصّ الودائع، فهي لن تُفهم ولن تُطبّق كما يجب وسيتحمل أكبادها أشخاص لا يجب أن يتحمّلوها. وبدلاً من قص الودائع أطرح هذه المعادلة: هناك فوائد متراكمة منذ العام 2009 (تاريخ الاستفادة من تدفق الودائع الى لبنان نتيجة الازمة الاقتصادية العالمية) ولغاية اليوم. هذه الفوائد مرتفعة لذا أنا أقترح إعادة الفوائد الى مستوياتها الطبيعية. واذا أعدنا احتساب الفرق ما بين فائض الفائدة المكتسبة والفوائد المحسوبة على مستوى 5% على سبيل المثال، عندئذ يمكن فرض ضريبة على هذا الفرق”.ويضيف: “علينا العودة الى الحساب السياسي، أما نظرية أن لا أحد يُحاسب فهي واهية خصوصاً بالنسبة الى كل الذين تناوبوا على الحكم منذ العام 1993 ولغاية اليوم، ومن ضمنهم حاكم مصرف لبنان ونوابه ولجنة الرقابة ولجنة الرقابة على تبييض الاموال. لا يمكن بناء وطن الا بالمحاسبة وهذه هي الطريقة الوحيدة لسحب المحاسبة من الشارع وإعادتها الى المؤسسات. يتم ذلك من خلال محاكم إستثنائية وشركات تدقيق (audit) دولية تتعاطى بشفافية. كلّ هذا لا يتحقق الا من خلال حكومة تزخر بقدرة تشريعية ضمن المراسيم وإلا تكون فارغة من الصلاحيات عن قصد”.
الدول لا تُفلس
من وجهة نظر بدارو، نحن لم نصل بعد الى حدود الافلاس. ويقول: “لا يمكن لدولة أن تفلس، بل إن حالات الافلاس تطاول الشعب. كثيرة هي الدول التي تخلفت عن سداد مستحقاتها الا أنها تبقى دولاً. وحده ما أتخوّف منه هو لقمة الفقير، ولتفادي هذا السيناريو، لا بد من محاسبة نادي الافرقاء السياسيين المتعاقبين على السلطة.
هذه المرة لن تكون هناك حماية من الفساد السابق، وعلى المحميات الاقتصادية أي المصارف والمحتكرين في القطاعين العام والخاص دفع الثمن؛ ومع تحرير القطاع الخاص من القيود يتحول الى قطاع منتج، وإن ترافق ذلك مع ترشيد القطاع العام وتحسين مستوى خدماته وانتاجيته يمكن النهوض من الازمة الراهنة”.
ويوضح: “لكن لا أحد ممن شاركوا في الحكومات السابقة بوسعه ان يفهــم هـــذه المبــادئ ولا أن يحققــها. سيتوجب على الحكومة الجديدة أن تضع أولويات في السياسات المالية والنقدية والاقتصادية والضرائبية. يكون ذلك أيضاً من خلال فرض إصلاح بنيوي عميق أي اعادة تكوين السلطة بمكوناتها كافة (السياسية والتمثيلية وهيئات اقتصادية وسلطات نقابية) من أساسها، بدءاً من استقلالية القضاء وصولاً الى خصخصة بعض المرافق”. إختلفت موازين القوى. وما بعد الانتفاضة الشعبية ليس كما قبلها. وعليه، ولكي تكون الحكومة المنتظرة عادلة ومقبولة من المواطنين، يجب أن تُوَزع الأعباء على شرائح المجتمع بحيث يتحمّل الأثرياء الحصة الكُبرى للحدّ من وقع التدابير على الطبقات الوسطى والفقيرة.