كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا يعبّر كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن وضعه “لبن العصفور” على مائدة رئيس الحكومة سعد الحريري، إلا عن تمسّك الثنائي الشيعي برئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري لتولي الحكومة العتيدة. كرسي السراي الحكومي لا يزال معقوداً للرجل، أقلّه في المدى المنظور. أما غير تلك السيناريوات، فلم تدرج بعد على جدول أعمال بري أو “حزب الله”.
في حسابات رئيس الجمهورية ميشال عون، المسألة تحتمل الأخذ والردّ، وعلى أجندته الكثير من الأسماء الممكن الدفع باتجاهها لخلافة الحريري في رئاسة الحكومة، وذلك ربطاً باختلاف الاعتبارات بين بعبدا وعين التينة ومعها الضاحية الجنوبية. وهذا ما يفسّر انقطاع التواصل بين الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لا سيما بعد الحملة التي شنّها بعض النواب العونيين على رئيس الحكومة المستقيلة.
حتى اللحظة، الثنائي الشيعي لا يزال في مربّع الانتظار: الحريري رئيساً للحكومة، أو السكون. وفي أحسن الحالات يصار إلى ملء بعض الفراغ بحكومة تصريف الأعمال. لا يزال مقتنعاً أنّ رئيس “تيار المستقبل” سيقترب عاجلاً أم آجلاً من خطّ التقاء وسطي من شأنه تسهيل ولادة الحكومة. ولذا من الضروري “الصبر”. وفي طقوس “حزب الله” الصبر يحتل سلّم المهارات.
في مطالعة الثنائي الشيعي “التبريرية” لهذا الخيار، تبدو الخشية من توتر سني – شيعي، هي المتحكمة بالقرار المفصلي. الجهد مركّز على منع عقارب الساعة من العودة إلى الوراء. ولذا لا بديل عن الحريري.
أما الاعتبار الثاني فهو مالي المنحى حيث يتصرف الثنائي الشيعي وكأنّ الحريري يضع “كود” خزنة الدعم المالي في جيبه، بمعنى أنّ أي محاولة انقاذية، إذا ما كانت ممكنة، لا بدّ أن تمر ببيت الوسط. وهي معادلة مثيرة للشكوك بالنسبة لبعض المعنيين. لسبب بسيط، وهو أنّ القيّمين على أموال “سيدر”، أي الإدارة الفرنسية، لا تبدي أي تمسك استثنائي بأي شخصية سنية، لا بل تحصر اهتمامها بعمل الحكومة العتيدة وبمدى قدرتها على فرض الاصلاحات المطلوبة.
ويقول أحد النواب ممن هم على تواصل مع الإدارة الفرنسية إنّ مدير الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو سبق له أن أبلغ من التقاه حين زار بيروت، إنّ إدارته حريصة على عمل الحكومة، لكنها لا تبدي اهتماماً زائداً بهوية رئيس الحكومة، المسألة التي تكررت أمس خلال الاجتماع الذي شهدته باريس وضمّ فارنو والمبعوث الفرنسي لمؤتمر “سيدر” السفير بيير دوكين والمسؤول عن الشرق الأوسط في قصر الرئاسة باتريك دوريل، مساعد وزير الخارجية الاميركي للشرق الاوسط دافيد شينكر ومديرة الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ستيفاني القاق.
الاجتماع الثلاثي، كما يرى النائب نفسه، لم يخرج عن سياق المواقف التي سبق وأعلنها الموفد الفرنسي في بيروت والتي لا تتجاوز حدود حرص الإدارة الفرنسية على الاستقرار اللبناني الأمني والمالي، من خلال التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة تلقى أصداء ايجابية في الشارع بمعزل عن هوية رئيسها.
ويضيف بعض المسؤولين اللبنانيين ممن يلتقون سفراء غربيين معتمدين في بيروت، أنّ هؤلاء يستغربون اصرار الرئيس بري و”حزب الله” على توكيل مهمة تأليف الحكومة للحريري على نحو يوحي وكأنّ الرجل مؤتمن على الدعم الخارجي، وهي نظرة غير سليمة وغير صائبة لمقاربات الدول الغربية وتحديداً الأوروبية.
ولهذا، يسود الاعتقاد أنّ تمسّك الثنائي الشيعي بالخطة “أ”، والمقصود بها، دعم عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، وإسقاط كل الخيارات الأخرى التي ستكون خيارات مواجهة، يعني أنّ الباب لا يزال مفتوحاً على تفاهم مرجو يتخطى بيت الوسط، ليطال شبكة تحالفاته الخارجية، لأنّ التدخل المالي من جانب دول الخليج هو وحده القادر في هذه اللحظة بالذات على احداث الفرق في الأزمة القائمة. ولكن لهذا التدخّل أثمانه في السياسة.