Site icon IMLebanon

الوضع اللبناني يدخل بازار التسويات في الشرق الأوسط

كتب حسين زلغوط في صحيفة “اللواء”:

مساحة الفرص لتجنّب الإنزلاق باتجاه الإنهيار الاقتصادي والنقدي بدأت تضيق

لا بصيص أمل يظهر في العتمة التي تغلّف الواقع السياسي في لبنان يشي بإمكانية الخروج من النفق في وقت قريب من شأنه أن يُساعد على الولوج إلى تأليف الحكومة العتيدة، لا بل ان كل المعطيات المحلية والخارجية تؤكّد بأن لبنان دخل مداراً صعباً وان الأزمة التي تشدُّ على خناقه بات حلّها يتطلّب عملية جراحية نوعية يعجز السياسيون المحليون على إجرائها بمفردهم، وفي نفس الوقت لا يعرض أحد في الخارج خدماته للمساعدة، لا بل إن من كان يعّول عليهم أن يكونوا شركاء في حل الأزمات التي عصفت في لبنان في مراحل سابقة يقفلون أبوابهم ونوافذهم ويصمّون أذانهم على ما يجري في لبنان وكأن ما يشاهدوه ويسمعوه يحصل في منطقة ما على ظهر القمر.

لعل أبلغ وصف للواقع اللبناني الراهن هو ما جاء على لسان رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي شبّه الوضع اللبناني بركاب سفينة «التايتانيك» وهي تغرق رويداً رويدا، بينما كان ركابها يلهون بالرقص وسماع الموسيقى وكأن الأمور على سطح السفينة تسير على خير ما يرام.

من السذاجة الاعتقاد بأن الوضع اللبناني من الممكن أن يعود إلى ما كان عليه قبل السابع عشر من تشرين الأوّل، وانه من السهل معالجة الأزمة المستجدّة ان على المستوى الحكومي أو على المستوى الاقتصادي والنقدي، فعلى المستوى الحكومي بات الأمر في ظل الوضع القائم يتطلّب معجزة للاتفاق على الرئيس المكلّف أولاً ومن ثم على شكل الحكومة، حيث ان وضع التأليف يزداد تأزّماً وتعقيداً يوماً بعد يوم، ولا يلوح في الأفق أي معطيات تدلّ على ان إنجاز هذا الاستحقاق سيتمُّ في وقت قريب، وهناك من بدأ يضرب موعداً لذلك بعد عدّة أشهر.

أما على المستوى الاقتصادي والنقدي فلا يختلف اثنان على وصف هذا الوضع بأنه خطير جداً وان لبنان لم يألف مثيلاً له منذ سنوات طويلة حيث ان تأخير تأليف الحكومة يدفع بلبنان باتجاه الإنهيار وهو أمر لطاما حذّرت منه جهات داخلية وخارجية، مع التأكيد بأن مساحة الفرص لتجنّب هذا الإنزلاق بدأت تضيق، وان باب المخرج الوحيد الذي ما زال مفتوحاً هو الإسراع في تأليف الحكومة وخروج الحراك الشعبي من الشارع. وما يُعزّز الاعتقاد بأن الأزمة الحكومية آخذة في التمدّد هو إنطفاء محركات المفاوضات الحكومية، بعد الاشتباكات الضارية التي اندلعت على جبهتي الرئيس سعد الحريري والوزير جبران باسيل بعد سقوط ورقة المرشّح لتشكيل الحكومة محمد الصفدي، بما يعني انه في حال استمرّ هذا الاشتباك وازداد تفاقماً من شأنه أن يزيد الطين بلّة ويجعل أمر التفاهم على توليفة حكومية تأخذ في الاعتبار كل المعطيات التي برزت منذ منتصف الشهر الماضي بعيدة المنال.

وحيال هذا المشهد المخيف على مساحة لبنان فإنه من المستغرب هذا الانكفاء الإقليمي والدولي عن الأزمة، حيث لم يرصد أي مسعى لاحتواء ما يجري بإستثناء التدخّل الفرنسي الذي سُجل من خلال الزيارة الخجولة التي قام بها مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو، حيث اقتصرت جولته على المسؤولين على استطلاع الوضع من دون أن يقدّم أية مقترحات يُمكن أن تسهّل الوصول إلى حل، مع العلم بأن باريس كانت تتسارع فور إندلاع أي أزمة في لبنان إلى لعب دور الوسيط المساعد على إيجاد المخارج، وهذا ما يبعث على الاعتقاد بأن ما يجري في لبنان على الرغم من خطورته ما زال في اعتقاد المجتمع الدولي يستطيع الانتظار إلى حين إنضاج طبخة التسوية التي تُعد من قبل أصحاب القرار للمنطقة. مع ان بعض المصادر تفيد بإمكانية حصول تحرّك من قبل الاتحاد الأوروبي في محاولة لفرملة الوضع والحؤول دون إنزلاق لبنان إلى ما لا يحمد عقباه، وهذا التدخّل المتوقع نابع من خوف أوروبي من أن يؤدّي التدهور الحاصل في لبنان وخصوصاً على المستوى الاقتصادي والنقدي إلى لجوء أعداد كبيرة من النازحين إلى التسلّل باتجاه الدول الأوروبية التي تعمل جاهدة على إحتواء النازحين إليها من سوريا والذين بلغوا مئات الآلاف، وهذا ما شأنه أن يؤثّر على الاقتصاد الأوروبي الذي يمرُّ في هذه الأيام بنوع من الانكماش والتراجع إسوة بالاقتصادي غير الصحي الذي يضرب العالم بأسره.

وترجّح هذه المصادر أن يطول أمد الأزمة الراهنة لأن في اعتقادها ان الحل والربط لهذه الأزمة هو في الخارج، كون ان ما نشهده اليوم ليس في لبنان وحسب وإنما في المنطقة هو إنعكاس للاشتباك الكبير المندلع بين واشنطن وطهران، وهو ما يحمل البعض إلى التأكيد بأن أزمة التأليف ربما دخلت أو ستدخل في بازار التسويات في المنطقة.