كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
سيكون من الصعب جداً أنّ تمرّ الكلمة التي سيلقيها رئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة ذكرى الاستقلال، على الشارع «المتفجّر» مرور الكرام، خصوصاً أنّ الرئيس لن يتجاوز الأحداث الحاصلة، كما يدلّ الخبر الصادر عن قصر بعبدا. لا بل سيكون خطابه في عمقها. وهنا التحدي.
عملياً، لم تُستثن الرئاسة الأولى من جدول أعمال الانتفاضة وأكلت نصيبها من الوقفات الاحتجاجية التي حوّلت منطقة بعبدا إلى ثكنة عسكرية، بعدما ضُمّ الرئيس ومعه «التيار الوطني الحر» إلى حملة «كلن يعني كلن».
حتى الآن، سجّل «قادة» الانتفاضة، وهؤلاء لا يزالون «مكتومي القيد»، انتصارين اثنين في مرمى السلطة: اسقاط حكومة سعد الحريري بثقلها السياسي، ومحاصرة مجلس النواب رغم اصرار رئيسه نبيه بري على عبور معمودية الحراك الشعبي، إلا أنّ محاولاته باءت بالفشل مخلّفة ندوباً في جسم العلاقة التي تجمعه برئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، وبرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، بسبب ما اعتبره تراجعاً عن موقفيهما إزاء المشاركة في الجلسة البرلمانية.
في هذه الأثناء، تشير المعطيات الأوّلية إلى تحرّك مياه الحكومة الراكدة، بعد فشل محاولة تسمية الوزير السابق محمد الصفدي رئيساً للحكومة لاعتبارات تتصل بتمنّع الحريري عن تأمين الغطاء السني للوزير الطرابلسي، كما تقول مصادر قوى الثامن من آذار التي تعتبر أنّ سلوك الحريري يشي بفرضية واحدة: هو يرغب بالعودة إلى رئاسة الحكومة لكنه لا يزال يرفع سقف شروطه، ولهذا تمّ وأد مسعى ترئيس الصفدي في مهده.
حتى الآن، لم يتضح ما اذا كانت هذه المعطيات المستجدة ستقنِع الحريري بالجلوس إلى طاولة المفاوضات خصوصاً أنّ ما يتسرب من مجالسه لا يوحي بأنّه يرغب في تولي رئاسة الحكومة في هذه المرحلة الدقيقة، ولهذا فتح الباب أمام خيارات ثانية تخلفه على كرسي السراي الحكومي.
ومع ذلك، لا تزال مصادر قوى الثامن من آذار تشكك في سيناريو قبول الحريري جدّياً باسمٍ بديل عنه لرئاسة الحكومة، معتبرة أنّ جلّ ما يفعله الرجل هو من باب المناورة لا أكثر، ولو أنّها تشير إلى أنّ كل الاحتمالات باتت متاحة، خصوصاً أنّ الأزمة دخلت شهرها الثاني وتنذر بمزيد من التدهور المالي الذي سيصعّب المعالجات الممكنة.
جديد التطورات والتي يمكن البناء عليها للولوج جدياً في مسعى حكومي تفاهمي، هو الأجواء الغربية الآتية من خارج الحدود والتي بلغت مقار المعنيين بالملف الحكومي، ومنهم الحريري و»حزب الله»، كما تقول مصادر قوى الثامن من آذار، والتي من شأنها أن تعيد إطلاق القطار الحكومي.
وفق هؤلاء، يمكن وصف هذه المناخات المستجدة بأنها نوع من التراجع عن تشدد كان سائداً خلال الفترة الماضية، وقد عبّرت عنه بعض دوائر القرار الغربية من أوروبية وأميركية، وقد بلغت المعنيين اللبنانيين بالملف الحكومي، الأمر الذي قد يساهم في تذليل بعض العقبات.
وتشير مصادر قوى الثامن من آذار إلى أنّ هذا التساهل النسبي قد يتبلور من خلال مسعى حكومي قد يرى النور خلال الأيام القليلة المقبلة، وهذا ما يفسر عودة الحراك الحكومي ولو على نحو بطيء جداً، من خلال دفع الحريري إلى حسم خياراته، سواء عبر تأكيد رغبته بتأليف الحكومة أو عبر التفاهم مع الآخرين على اسم مشترك تُعهد اليه مهمة التأليف في هذه الظروف الصعبة.
ويلفتون إلى أنّ هذا الحراك يتزامن مع حراك مكتوم يصار من خلاله إلى البحث عن معالجات مالية سريعة تحول دون تفلّت الأمور وتدهور الوضع المالي أكثر بانتظار تسمية حكومة قادرة على القيام بالمهمة الانقاذية وتلقى رضى الشارع.
يؤكد هؤلاء أنّ تراجع حدّة التشدد الدولي ازاء الوضع الحكومي لا يعني أبداً أنّ الحكومة قد تولد بين ليلة وضحاها، نظراً لكثرة الأفخاخ والمطبات التي تنتظرها، لكنها تساعد بنظر هؤلاء على تجاوز بعض العقبات. وهذا تقدّم يمكن البناء عليه.