كتب طوني أبي نجم في صحيفة “نداء الوطن”:
لم يكن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يناور حين هدّد أنه في حال تعرّضت إيران لأي اعتداء فإنه مستعد لإشعال المنطقة برمتها دفاعاً عنها.
هذا هو تحديداً ما فعله نصرالله في لبنان إنما في حرب من نوع جديد تشنّها واشنطن على طهران: الحرب الاقتصادية والمالية عبر العقوبات، والتي أظهرت فعالية قلّ نظيرها، وأثبتت أن الحرب الاقتصادية في هذا العصر باتت تتقدم حتى على الحرب العسكرية وفنون استعراض الجيوش والأساطيل.
منذ أن أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي وهي تفرض رزمات متتالية من العقوبات المالية والاقتصادية التي تستهدف إيران و”حزب الله” على خطين متوازيين. أدركت طهران منذ اللحظة الأولى أن المعركة غير تقليدية وقاسية وطويلة، وكان لا بدّ من إجراءات احتياطية وفي طليعتها تقليص إمدادات “الحزب” بالمال، ما حتّم عليه العمل على محاولة تأمين مصادر تمويل بديلة. لكن الأميركيين كانوا له بالمرصاد مع إضافة أسماء أساسية من بيئته الحاضنة والممولة على لائحة العقوبات.
عند هذا الحد باتت اللعبة واضحة بالنسبة إلى “الحزب”، فكما في الحرب العسكرية احتاج إلى الاختباء خلف المدنيين، هكذا فعل في الحرب المالية عليه، فاختبأ خلف اللبنانيين وماليتهم وخلف بعض المصارف اللبنانية فدفعوا جميعاً الثمن: عرقلة الملفات الإصلاحية للإبقاء على مصادر دخل له، وخصوصاً في ما يتعلق بالتهرب الجمركي في المرفأ والمطار والمعابر الحدودية الشرعية وغير الشرعية ما عرقل أي إمكانية للاستفادة من مشاريع مؤتمر “سيدر” التي اشترطت تنفيذ الإصلاحات اولاً، الإمعان في حماية شبكات الفساد المنتشرة في مفاصل الدولة لإراحة داعميه ومؤيديه، والإصرار على محاولة التحايل على بعض الآليات المصرفية ما أدى إلى حظر جمّال ترست بنك وتشديد الرقابة على التعاملات المصرفية.
أراد “حزب الله” محاربة العقوبات الأميركية عليه وعلى إيران من خلال استعمال لبنان باقتصاده وماليته كمتراس في المواجهة مع واشنطن، ولهذا السبب تحديداً كان “الحزب” ولا يزال مصرّاً على رفض استقالة الحكومة المستقيلة وعلى تكليف الرئيس سعد الحريري مجدداً برئاسة الحكومة الجديدة، وإلا فإنه لن يتردد في الذهاب إلى حكومة من لون واحد ليحمي مصالحه، عوض الاستجابة لمطالب الشارع بحكومة تكنوقراط تؤمن حماية المصلحة الوطنية. يسعى الحزب إلى أخذ البلد بحكومته واقتصاده رهائن في المواجهة الإيرانية – الأميركية ولو كلّف الأمر انهيار المنظومة المالية والمصرفية والاقتصادية في لبنان!
هكذا، وبكل بساطة، يدفع جميع اللبنانيين ثمن قرار “حزب الله” خوض مواجهة مع الولايات المتحدة إنطلاقاً من لبنان خدمة لإيران، ولو على حساب لقمة عيش اللبنانيين ومدخراتهم والحد الأدنى من استقرارهم. لم يقبل “حزب الله” أن يترك إيران تغرق وحيدة في المواجهة فعمل على إغراق لبنان علّ من يبادر لإنقاذ لبنان يُنقذ “الحزب” معه. ويقيناً أن من أعلن استعداده لإشعال المنطقة برمتها، ومن ضمنها لبنان، دفاعاً عن إيران، لن يتردد في هدم اقتصاد لبنان ونظامه المالي في الحرب المالية القائمة في محاولة للدفاع عن نظام ولاية الفقيه!