Site icon IMLebanon

أين ذهبت أموال اللبنانيين؟

يدخل المواطن اللبناني إلى فرع المصرف حيث وضع مدخراته لسنوات. جنى العمر، وقد قام بتجميعه يوماً بعد يوم، قرشاً فوق قرش، علّه يتقي به يومه الأسود. أما وقد جاء هذا اليوم المشؤوم، بعدما تعطلت الأعمال، وتقلصت المداخيل ودخلت البلاد حالة الإفلاس غير المعلن، ذهب المواطن لسحب بعض أمواله وإذا بمن يطل عليه من كونتوار المصرف ليقول له، غير مسموح أكثر من 300 دولار أسبوعياً. نعم هو تقنين لأمواله من قبل من ائتمنه عليها. بالطبع هذا الرفض يشكل بالحد الأدنى سوء أمانة يقاضي عليها القانون اللبناني كما الدولي. قد يقابل هذا المنطق بالمصلحة الوطنية العليا وبسابقات دولية كما حصل في اليونان أو قبرص مثلاً في فترة ليست ببعيدة. ولكن تلك البلاد أعلنت رسمياً عن إفلاسها ولم تقابل أوضاعها المهترئة بتعنت طبقتها السياسية المستمرة بالمماطلة والتعالي على حساب المصلحة الوطنية.

والسؤال الذي على كل شفة ولسان: كيف تبخرت سيولة المصارف؟ وأين ذهبت أموال المودعين وماذا حل بها. الأجوبة بدأت تتضح عبر التقارير المتتالية للمؤسسات الدولية المتابعة للشأن اللبناني ووكالات التصنيف. القسم الأكبر من هذه الأموال موجود في مصرف لبنان، تقدر قيمته بالـ70 مليار دولار واستعمل قسم كبير منه للدفاع عن “قُدس الأقداس”: سعر الصرف الثابت الذي لا يتزحزح لحماية القدرة الشرائية للمواطن كما يقولون، ولحماية كبار المستثمرين بسندات الخزينة وأدوات الهندسة المالية أيضاً، وهذا ربما ما لا يقولونه بالقدر الكافي. وقسم من أموال هذه الودائع ذهب أيضاً لتمويل عجز الخزينة لسنوات. هل من يذكر أن حجم نفقات الدولة تخطى الـ35% من حجم الإقتصاد؟ وعجز الخزينة المتراكم للسنوات 2014 – 2018 فقط تخطى الـ20 مليار دولار. والقسم الثالث من هذه الأموال جُمّد في مشاريع عقارية وأبنية عملاقة ترتفع في سماء العاصمة لا تسكنها سوى أشباح.

وأخيراً ما تبقى من هذه الأموال ويقدر بـ33 مليار دولار ذهب لتمويل إقتصاد الإنتاج وهو اليوم يختنق بفعل السياسات النقدية القائمة إلى جانب غياب الإصلاحات وانكشاف الإقتصاد اللبناني على الصراعات في الإقليم. كل هذا حوّل قسماً من قروض المصارف إلى قطاع الإنتاج قروضاً متعثرة. فمن يتحمل أعباء هذه السياسات؟ كبار المودعين والمستثمرين هرّبوا إلى الخارج أموالهم وأرباحهم من الأدوات المالية اللبنانية وبالدولار. أما المواطن اللبناني، فلم يبق من جنى عمره وعرق جبينه، سوى 300 دولار في الأسبوع… حتى الأمس.

كل ذلك ومع تفاقم فاجعة الوطن ومواجع مواطنيه، لا يزال أهل السلطة على ميوعتهم في معالجة الأزمة دون أن يبادروا حتى اللحظة إلى حل أحجية “التكليف والتأليف” في ظل استمرار رئيس الجمهورية ميشال عون، بإسناد مباشر من “حزب الله”، على موقفه الرافض لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة قبل ضمان شكل الحكومة الجديدة، في وقت طُرحت علامات استفهام وترقب حول ما إذا كان عون سيزفّ برسالته الليلة لمناسبة الذكرى 76 للاستقلال موعد الاستشارات تلافياً لتأجيجه غضب الشارع إن هو أطل عليه مجدداً خالي الوفاض، في وقت لا يزال يعمل “الخليلان” على التواصل مع رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري لتأمين بديل عنه يغطّيه ويحول دون احتراقه سنياً وعربياً ودولياً.

وإذ دخلت الأمم المتحدة على خط المشهد اللبناني من باب المناشدة الأممية للأفرقاء اللبنانيين بتأليف سريع لحكومة “تستجيب لتطلعات المتظاهرين وتحظى بدعم من البرلمان”، بالتوازي مع تشجيع القوى العسكرية والأمنية على “الاستمرار بحماية المتظاهرين السلميين”، برز خلال الساعات الأخيرة دخول “حزب الله” بثقله على خط الهجوم المباشر على الجيش اللبناني وقيادته بعدما كان يتكل في توجيه رسائله المشفّرة على بعض الأقلام المتحاملة على أداء المؤسسة العسكرية إزاء المتظاهرين، وبعض “الناطقين” باسم “8 آذار”.

وفي هذا الإطار، توقف المراقبون باهتمام أمام حجم الاحتقان الذي بلغه “حزب الله” ودفعه إلى الانتقال من سلاح التلميح إلى التصريح في معرض التصويب على الجيش وقائده جوزيف عون وصولاً إلى حد اتهامه بـ”التواطؤ” في ما يجري من تظاهرات في البلد. وهو ما تمّ إيكال مهمة تظهيره إعلامياً لعضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي عمار الذي تدرّج في مهمته، بدءاً من مشهدية شق صفوف المتظاهرين على متن دراجة نارية في طريقه إلى ساحة النجمة، مروراً بتوجيهه رسالة شكر ملغومة إلى قيادة المؤسسة العسكرية على ما وصفه بـ”مساهمتها الفعّالة في قطع الطرق”، وصولاً إلى الرسالة المزدوجة من “عين التينة” بالأصالة عن حزبه وبالنيابة عن رئيس المجلس نبيه بري الذي تحدث أمس عن “غرف سوداء” وراء تعطيل انعقاد البرلمان، إذ قال عمار إثر لقاء بري: “رأينا ضباطاً وجنوداً يتفرجون على نواب الأمة كيف يهانون على الحواجز من دون أن يحركوا ساكناً وخصوصاً بعدما وعد قائد الجيش أنه بقدر ما سيحمي المتظاهرين سيكون حريصاً على حماية حرية التنقل، لكن للأسف ما شهدناه هو شكل من أشكال الريبة مما يوحي بأنّ هناك تواطؤأً في مكان ما لقطع الطريق على المجلس النيابي”.