بعد غياب اسابيع عن واجهة مشهد الثورة اللبنانية وما افرزته على المستوى السياسي، أطل الخارج الغربي ليحدد مواقفه مما يجري وتحديدا في الشأن الحكومي، فيما بقي العرب على صمتهم المطبق. اما ايران، ومن باب الحديث عن قمع انتفاضتها الشعبية التي اتهمت بها اعداء الامة، فأكدت على لسان الحرس الثوري الأربعاء انها لم تسمح بتحويل طهران إلى بيروت وبغداد، في اشارة واضحة ضد الحراك الشعبي.
الموقف الغربي توزع على ثلاثة محاور، فرنسا التي تحركت ميدانيا في خطوة احادية حتى الساعة من باب القلق على لبنان، وارسلت مدير دائرة شمال أفريقيا والشرق الأوسط في وزارة الخارجية السفير كريستوف فارنو للاطلاع عن كثب عما يجري بين الشعب والسلطة السياسية، وعلى رغم انفجار الازمة في وجهه اذ وصل الى بيروت ليلة المقابلة الصحافية للرئيس ميشال عون التي اندلعت بسببها مواجهات في الشارع ادت الى سقوط الشهيد علاء ابو فخر، جال على المسؤولين والقادة السياسيين من دون استثناء واتصل بمن تعذر بلوغ مقارهم بفعل قطع الطرقات، كما التقى خبراء اقتصاديين استمع منهم الى تشخيص دقيق للوضع الاقتصادي وختم زيارته بمؤتمر صحافي اكد فيه ضرورة “تشكيل حكومة سريعا، كفوءة، فاعلة، قادرة على اتخاذ قرارات تستجيب لتطلعات الشعب اللبناني وعلى إعادة الثقة”، في موقف متناغم مع ما اعلنه رئيس دبلوماسيته وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان اثر استقالة الرئيس سعد الحريري اذ قال آنذاك “من الضروري من أجل مستقبل لبنان تشكيل حكومة بسرعة لتكون قادرة على إجراء الإصلاحات التي تحتاجها البلاد”.
وبعيد الاجتماع الثلاثي في باريس الذي حضره الى فارنو، المبعوث الفرنسي لمؤتمر سيدر السفير بيار دوكين والمسؤول عن الشرق الأوسط في قصر الرئاسة باتريك دوريل، ومساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط دافيد شينكر ومديرة الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ستيفاني القاق، تضاربت التسريبات حول حقيقة خلاصة ما انتهى اليه النقاش بين من تحدث عن اجواء سلبية وتناقض في المواقف ذهب الى حد تلبيس باريس ثوب الرغبة بتشكيل حكومة جامعة في لبنان وبين مم اكد تطابقها. غير ان مصادر مطّلعة على حقيقة ما دار في الاجتماع اكدت لـ”المركزية” ان اللقاء الثلاثي لم يخلص إلى نتائج حاسمة، في ما يتصل بامكان التدخل في الأزمة اللبنانية وكيفية معالجتها، بيد انه اجمع على تأييد الانتفاضة الشبابية ضد الفساد ووجوب حماية المتظاهرين وترك المجال لهم وحدهم في رسم المسار المستقبلي للبنان وعدم التدخل في تشكيل الحكومة، مع تسجيل ضرورة ان تلبي اي حكومة تشكل تطلعات الانتفاضة وعدم تجاوزها، ما يعني ضمنا الاصطفاف الى جانب “الثورة”. هذا الموقف ايدته بشدة واشنطن، كما بريطانيا فيما كررت فرنسا موقفها، حكومة كفوءة سريعاً.
الاجتماع الثلاثي، تضيف المصادر، يبدو استفز موسكو التي تقف الى جانب العهد وحلفائه، وقد اعلنت رفضها تشكيل حكومة تكنوقراط تضع العهد والحزب خارجه، فاعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان “فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط هي أمر غير واقعي”. وفي هذا المجال، اكدت مصادر مطّلعة على الموقف الروسي لـ”المركزية” ان موسكو تواصلت مع باريس بعيد الاجتماع باعتبارها اقرب من واشنطن ولندن الى فكرة تشكيل حكومة تضم الكتل السياسية وتتفهم وضع حزب الله وموقعه وتمثيله وتؤيد مثلها عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. الا ان موسكو ولئن كانت تؤيد مطالب الحراك وتفضل معالجتها عن طريق الحوار داخل المؤسسات، تخشى من دخول العنصر الخارجي عليه، بما يتطابق ونظرية المؤامرة التي يروج لها حزب الله، وتحويره في اتجاه تفجير امني قد ينتهي على غرار ما انتهت اليه الثورات في بلدان الجوار، وهذا امر بالغ الخطورة، فلبنان على تماس حدودي مع اسرائيل بما يعني ذلك من امكان حصول حال فوضى وتسيّب امني لا يعرف احد الى اين يقود. وتبعا لذلك، ترى موسكو ضرورة لحكومة سياسية تمسك زمام الامور وتنفذ مهمة انقاذية في اقصى سرعة، هذه المهمة يرى المسؤولون الروس ان التكنوقراط غير الخبيرين بشؤون السياسة المعقدة قد يعجزون عن الاضطلاع بها راهنا والزمن ليس للتجارب ولا المكان.