كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
باتت أسعار الفوائد المرتفعة تشكّل عائقاً إضافياً يزيد في تعقيدات الأزمة المالية القائمة، بعدما كانت وسيلة ناجعة في فترة من الفترات لجذب الاموال الى لبنان. ومع إغلاق السوق المالي، وتطبيق ضوابط غير مقوننة (Capitals control)، إنبرت الحاجة الى قانون ينظّم ضبط الرساميل، ويتيح خفض الفوائد دفعة واحدة لتحاشي الأسوأ.
في ظل القيود المفروضة على الودائع ومنع سحب التحاويل خارج لبنان وانعدام فرص جذب أموال من الخارج، وبالتالي خضوع لبنان ولو بشكل غير معلن لنظام اقتصادي منغلق، هل حان الاوان لخفض نسبة الفائدة التي وصلت الى 15 في المئة ثم تراجعت الى 11 في المئة على الليرة اللبنانية الى حدود الـ 4 في المئة مثلاً، لما لهذه الخطوة من تأثير ايجابي في تعزيز فرص الاستثمار وتحريك الاقتصاد المنكمش، لتشكل هذه الخطوة مدخلاً لحلول في جدار الأزمة المالية؟
هذا التوجّه سبق للنائب ميشال ضاهر أن اقترحه، شرط قوننة «ضبط حركة الرساميل»، (Capitals control) على اعتبار انّ خفض اسعار الفوائد لا يمكن ان يتم في معزل عن هذا الأمر.
إقتراح قانون
في هذا السياق، علمت «الجمهورية» انّ ضاهر أعدّ اقتراح قانون معجل مكرّر موضوعه الاجازة لمصرف لبنان اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية وتثبيت الاستقرار النقدي والمصرفي ومصالح المودعين.
يتضمّن الاقتراح مادة وحيدة جاء فيها:
أ – يُجاز لمصرف لبنان اتخاذ الإجراءات كافة التي يعتبرها لازمة لحماية وتثبيت الاستقرار النقدي والمصرفي ومصالح المودعين، بما في ذلك وضع الأولويات والقيود على حركة التحويلات المالية عبر الحدود، وذلك لآجال محددة.
ب – يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية.
وفي الاسباب الموجبة التي يتضمنها الاقتراح، ما يلي:
«تشهد الساحة اللبنانية منذ فترة، أزمة مالية ونقدية انعكست سلباً على سلامة العمل المصرفي، وبدأ المودعون بسحب أموالهم او إجراء تحويلات الى الخارج.
نتيجة هذا الواقع، لجأت المصارف الى تقييد عمليات السحب والتحاويل ووقف العمل بالتسهيلات المصرفية الممنوحة سابقاً الى عملائها، بالاضافة الى وضع قيود أخرى انعكست سلباً على العديد من القطاعات الانتاجية في لبنان.
إنّ مواجهة هذه الأزمة تستوجب من مصرف لبنان اتخاذ تدابير واجرءات سريعة للحؤول دون تفاقم هذه الأزمة، غير انّ الاحكام الواردة في قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي لم تمنح مصرف لبنان الادوات اللازمة من اجل التصرّف بمرونة في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان، ولم تُجز له بشكل واضح وصريح صلاحية وضع الأولويات والقيود على حركة التحويلات المالية عبر الحدود،
لـهـذه الأسـبــاب،
وبهدف المحافظة على سلامة العمل المصرفي وتثبيت الاستقرار النقدي والمصرفي وحماية مصالح المودعين،
نتقدّم من المجلس النيابي الموقر باقتراح القانون المعجّل المكرّر موضوعه الاجازة لمصرف لبنان اتخاذ لاجراءات اللازمة لحماية وتثبيت الإستقرار النقدي والمصرفي ومصالح المودعين، ملتمسين من الزملاء الكرام مناقشته وإقراره في أول جلسة تشريعية.
مواقف الخبراء
في هذا الاطار، يؤكد الخبير المالي وليد ابو سليمان انه يؤيد اعلان capital control رسمياً وخفض تلقائي للفوائد على الحسابات الدائنة، بما يخفف من الكلفة على المصارف في الدرجة الاولى على ان يتم بعدها خفض الفوائد على الحسابات المديونة وعلى القروض الجديدة التي سيأخذونها، وذلك بهدف ضَخ السيولة في شرايين الاقتصاد، لأنه حالياً كل شيء متوقف. وبما انّ المصارف كانت مصدر تمويل الدولة التي كانت تدفع فوائد مرتفعة عليها للمصارف لتعود الاخيرة وتوظفها امّا بالهندسات المالية أو بسندات خزينة مرتفعة، على الدولة اليوم ان تطلب من الدائنين، أي المصارف، أن تتوافق معهم على تخفيض الفوائد.
وشرح انه مع نهاية العام الجاري يستحق لدى الدولة مبلغ مليار ونصف المليار دولار، على أنّ 50 في المئة من استحقاق اليوروبوند هذا سيعود ويدخل الى المصارف، على ان تعود المصارف وتوظفها امّا مع القطاع الخاص أو مع القطاع العام، لكن شرط أن يخفّضوا معدل الفوائد.
ورأى ابو سليمان انّ الفائدة على الدولار يجب ان تتراجع من 7 و8 في المئة الى ما بين 3 و4 في المئة، أما على الليرة اللبنانية فيجب ان تتراجع من معدل 10 و11 في المئة الى نحو 7 في المئة.
من جهة أخرى، اقترح ابو سليمان حلاً للأزمة التي نعيشها فقال: لدينا اليوم حوالى 3 مليارات دولار مخبّأة في المنازل، والسؤال كيف لنا ان نعيد إدخالها الى النظام المالي والمصرفي؟ ورأى انّ الحل يكمن في إعطاء تعهدات للبنانيين بعدما فقدوا الثقة بالطبقة الحاكمة، فاقترح الى جانب خفض معدل الفوائد، إعطاء تأمين على الودائع بالدولار من قبل شركات تأمين عالمية لتشجيع اعادة إدخال هذه الأموال الى النظام المصرفي، على ان يدفع ثمن التأمين ما بين 1 الى 2 في المئة. ولتعط هذه الشركات ضمانة على الحسابات بقيمة نحو 50 الف دولار بفائدة 3 في المئة. ويتوقع على الاقل ان تعيد هذه الخطوة ما بين مليار ونصف المليار الى ملياري دولار الى المنظومة المالية.
حمدان: خفض الفائدة حاجة
إعتبر الخبير الاقتصادي كمال حمدان انه لم يعد ممكناً اليوم حل الامور بـ»الترقيع»، بل نحن امام نظام يسقط، وكلما أيقن الحكام باكراً حجم الأزمة، كلما ساهموا في التخفيف من آلام اللبنانيين في الاسابيع او الاشهر المقبلة، فعامل الوقت اليوم أساسي في ظل غياب الثقة.
تابع: انّ الأزمة اليوم لم تعد تتعلق فقط بحكومة تكنوقراط او تكنو- سياسية وتغيير وجوه بل تعدّتها بأشواط، فالنظام تبدّل من رفض الناس للخطابات الرئاسية والسياسية على انواعها، الى تعطيل عمل المجلس مرة واثنين، بما يعني انّ طلبات الناس باتت في عالم آخر. فالنظام مات وأصحاب النظام يرفضون دفنه، واذا استمر الوضع على ما هو عليه اسابيع أخرى سيصبح مدمّراً للحياة. لذا، المطلوب اليوم مقاربة جديدة يأتي من ضمنها تضامن وطني لقبول خفض طوعي للفائدة الى مستويات تجعل من كلفة الدين قابلة للاحتمال في ظل المعطى الاقتصادي الراهن. وشدّد حمدان على انّ خفض معدل الفائدة لم يعد خياراً بل واحداً من مجموعة إجراءات مطلوبة. واعتبر انه كلما تقلّصت فترة المكابرة بين الاطراف السياسية كلما انحسرت الخسائر وجرى توزيعها بشكل عادل، ومن ضمنها معدلات الفائدة المرتفعة التي باتت غير قابلة للاحتمال، لا من حيث جذب الاستثمارات ولا من حيث الكلفة التي يستحيل على الدولة ان تتحمّلها بعد أشهر مقبلة نتيجة تداعياتها على خدمة الدين العام.
تابع: عملياً، المؤسسات مهدّدة بالاقفال والعمال بالصرف، والضمان سيتعطّل وسنشهد موجة تعثر قروض لعشرات آلاف اللبنانيين وموجات هجرة…
وبالتالي، الأزمة لم تعد أزمة حكومة بل انّ النظام مات، ولدى اللبنانيين اليوم توق للتفكير بنظام جديد. والمطلوب حكومة تتمتع بتقنية عالية وتملك القدرة على القرار مع صلاحيات سلطة تشريعية لتنظيم الامور لأنّ مجلس النواب كما هو اليوم لن يستطيع حلها، لأنه على الحكومة الجديدة ان تفكر حتى في كيفية تنظيم علاقة المديونين بالمصارف، والمودعين بالمصارف وفي كيفية تحصيل الديون المشكوك بأمرها، وكيفية فسح المجال أمام فتح تحويلات الى الخارج يكون لها مردود إيجابي على الاقتصاد وكيفية منع هروب رؤوس الاموال…. وللأسف، انّ النمط السياسي السائد الراهن غير قادر على المعالجة، فالمطلوب مقاربة جذرية وبَتّ سريع بمواضيع على الاقل في الفترة المقبلة.