كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
سرت في اليومين الماضيين أجواء إيجابية “مستوردة” من المجتمع الدولي، مفادها أن وضع المصارف في لبنان جيّد مع آمال بتحسّن الأجواء، جرّاء الدعم الذي من الممكن أن يتلقاه لبنان من الخارج. وترجمت هذه الأجواء بارتفاع سندات لبنان الدولارية إذ صعد إصدار العام 2032 أمس بقيمة 1.4 سنت مسجّلاً أكبر ارتفاع يومي منذ 4 تشرين الثاني. لكن كيف سيتحقق الدعم ومتى، ومن هي الجهات التي ستدعم لبنان؟
على رغم سياسة التقنين في تغذية المودعين بقيمة السحوبات التي يحدّدونها وتتراوح بين 300 دولار وألف دولار أسبوعياً تطبيقاً للتعميم الصادر عن جمعية مصارف لبنان، والأجواء التشاؤمية المخيّمة على تشكيل الحكومة، أوردت قناة “العربية” أمس على لسان مصدر دبلوماسي غربي أن “شمول التظاهرات في لبنان مناطق سيطرة حزب الله هو رسالة لـ “الحزب” وللقوى الأخرى، مؤكداً أن “الحزب” ليس مفتاح كل شيء في لبنان. كما أكد أن الانهيار المالي مستبعد في لبنان حيث النظام المصرفي جيد رغم المصاعب، مشيراً إلى أن فرنسا تجري اتصالات دولية لمساعدة لبنان”.
ولفت المصدر الغربي إلى أن “لا مصلحة لأحد في عدم استقرار لبنان، لا محلياً ولا دولياً، وتحدث عن عقد اجتماع دولي حول لبنان قد يحصل خلال أسابيع، ولكنه لن يكون مرتبطاً بتشكيل حكومة”.
الدعم المرتقب
الإجتماع الدولي حول لبنان لم يكن في الحسبان، بل ما كان في الحسبان ولا تقوم به المصارف هو “أن يُقدم المساهمون في المصارف على زيادة رساميلهم بنسبة 20% على مرحلتين قبل نهاية العام الجاري وبداية العام المقبل.
ولغاية اليوم يخشى المساهمون والقيّمون على المصارف استقدام أموالهم من الخارج وضخّ الدولارات لزيادة رؤوس الأموال قبل تشكيل الحكومة باعتبار أن تلك الأموال “ستتبخّر” في ظل ّ الشحّ في السيولة.
أما الدعم الثالث والذي يتمّ التباحث فيه، فهو الدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي… وذلك طبعاً من دون احتساب الدعم الخليجي، والقروض التي كانت ستمنح للبنان من خلال مؤتمر “سيدر” وسواه….
وبالنسبة الى المساعدة التي يتمّ التداول في آلية تقديمها من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فهي تبرز من خلال اللقاءات التي تحصل بشكل متتالٍ مع المسؤولين وتحديداً مع تجمّع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم. وفي هذا السياق يوضح رئيس تجمّع سيدات ورجال الأعمال اللبنانيين في العالم فؤاد زمكحل لـ”نداء الوطن” أن “التجمّع يعقد إجتماعات دورية مع الشركات في لبنان وفي دول الخليج والعالم والسلطات الدولية وحتى الدول المانحة للبنان، في محاولة لايجاد سبل التعاون وكيفية دعمنا بهدف الخروج من المأزق الكبير الذي نحن فيه، فلبنان يمرّ بأصعب الفترات في تاريخه الإقتصادي والمالي والنقدي”.
ويعتبر أن “وقوف المجتمع الدولي والدول المانحة (مثل فرنسا، ألمانيا، أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية ) الى جانب لبنان، والذي لمسه في اجتماعه مع البنك الدولي في الأسبوع الماضي، سيمنعنا من الإنهيار التام والوقوع في المجهول”، موضحاً “أننا نحاول أن نرسم معاً خطة طوارئ إقتصادية إجتماعية وإعلان حالة طوارئ دولية”.
ويرى أن “تلك الخطّة ستطاول كل الطبقات وخصوصاً الشركات، والنقطة الأولى ستكون من خلال ضخّ سيولة بقيمة دنيا وهي 5 مليارات دولار في الأسواق لأنه اذا لم تُضخّ سيولة كل ما نتكلم عنه ليس له قيمة. والنقطة الثانية، هي دعم الفوائد التي ارتفعت بنسبة كبيرة ما حال دون نمو الشركات… وذلك بمساعدة صندوق النقد الدولي وخصوصاً البنوك الأوروبية. والنقطة الثالثة، خلق هيكلية وصندوق دعم دولي للشركات المستوردة من خلال السماح بتسديد كل الواردات بالليرة اللبنانية على أن يتحمّل هذا الصندوق مسؤولية تأمينها للشركات الدولية”. أما النقطة الرابعة التي اقترحها باسم التجمّع، فهي بناء لجنة توجيهية استراتيجية تضمّ المجتمع الدولي لا سيما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الدول المانحة، شركات تدقيق مالية دولية، المجتمع المدني اللبناني، قطاع الأعمال، السلطة التشريعية والتنفيذية لاستقطاب الأموال التي كانت سترسل الى لبنان وضخّها في السوق المحلية”.
لجنة توجيهية
وبالنسبة الى “الخطط التي يجب اعتمادها في المرحلة المقبلة” يشدّد زمكحل على أنه “يجب اعتماد مبدأ الشراكة بين القطاعين العام وخاص ويتم ذلك من خلال بيع موارد الدولة التي تلحق بها خسائر، اذ أن الدولة غير قادرة على توفير الخدمات الضرورية والملحّة للمواطنين”. ويوضح أن “تقليص الكلفة التشغيلية وبيع ممتلكات الدولة سيؤديان الى تزايد السيولة وتحسين الخدمات العامة للبنانيين. ويحثّ الحكومة اليوم، ولو كانت في حالة تصريف أعمال، على العمل لتنفيذ برامج سيدر لأنها تتطلب الوقت وقد تستغرق عاماً أو عامين. من هنا ضرورة عدم إضاعة الوقت وتمهيد الطريق للحكومة الجديدة أكانت تكنوقراطاً أو تكنو – سياسية، لإنجاز المشاريع الحاسمة والمهمة بسرعة”.
فرصة تاريخية
ويشير الى المخاطر الكبيرة التي يواجهها لبنان في الوقت الراهن، إلا أنه يؤكّد في المقابل “أننا أمام فرصة تاريخية لإنقاذ لبنان وتعمير اقتصاده بتوازنات واستثمارات مثمرة والتمكن من اكتساب ثقة المجتمع في الداخل والخارج إقليمياً وحتى دولياً”. وفي هذا السياق يلفت الى “أننا نسير على طريق صعب، ولا يمكننا إجبار أحد على مساعدتنا اذا لم نكن نتحلّى بالإرادة والقدرة على التعاون”. ويشدّد على “ضرورة تشكيل حكومة مستقلة بنّاءة وشفافة، في جعبتها برنامج واضح وصلاحيات إستثنائية من مجلس النواب للتمكن من التفاوض معها وضخّ السيولة وإنقاذ الإقتصاد”.
ويلفت في الختام الى أنه بُعيد إطلاق العنان لتعاون المجتمع الدولي معنا وضخّ السيولة، يجب تشكيل لجنة توجيهية تتألف من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ورجال أعمال وشركة تدقيق مالية للإشراف على ترشيد الأموال.
تعدّدت أوجه الدعم والنتيجة لغاية الساعة ما زالت واحدة، لا حكومة في الأفق القريب تُرضي “الثوّار” وتكون قادرة على حيازة ثقة المجتمع الدولي لتدخل الجهود المبذولة لاستجلاب الدعم حيّز التطبيق. لحينه نأمل في ان تصحّ مقولة حصول إجتماع دولي حول لبنان، لأن من شأن ذلك رفع “المعنويات” وتعميم شيء من الطمأنينة في الأجواء ونشر ذبذبات ايجابية، ولو لم تدخل بنوده أو مقرراته اليوم حيّز التنفيذ!!!