Site icon IMLebanon

عن الظاهرة التي تسيطر على “الثورة”

اتسمت الاحتجاجات التي شهدتها دول أخيراً، بتبنيها ظاهرة مشتركة، تكمن في الوجوه التي ارتداها المتظاهرون، حيث اختاروا في العاصمة اللبنانية بيروت والعاصمة العراقية بغداد وفيكتوريا عاصمة السيشل وسوكري عاصمة بوليفيا، أقنعة استخدمت في أعمال فنية حققت شهرة كبيرة، كان أبرزها وجه “سلفادور دالي” في المسلسل الإسباني “كاسا دي بابل” وقناع “الأناركيا” في الفيلم الأميركي “فانديتا”، وأخيرا قناع المهرج في الفيلم الذي صدر حديثا “جوكر”.

وقد تشارك الغاضبون في الأقنعة الثلاثة دون أن يجمعهم اتفاق أو قرار أو توجيه معين، وأضحى المشهد المتكرر من بلد إلى آخر أشبه بنمطية تعبر عن التوجه السياسي العام للمحتجين، الخاص بمحاولة الهدم الكامل للنظام، ليس انطلاقا من منطق أيديولوجي معين يمنح أولوية لذلك عند الرفض التام للنظام الحاكم ويرفع من معنى الفوضى الخلاقة المتداولة منذ فترة، لكن رغبة في قناعة تؤكد ضرورة التخلص من الطبقة الحاكمة ورفض إعادة تدويلها، لأنها السبب الحقيقي في الأزمات المتراكمة.

وتبقى الاحتجاجات آلية كفاح من أجل أن تستمع النخبة إلى المهمشين وتراهم.

وتبرز جماليات الاحتجاج في عناصر مثل الأقنعة واستخدام الألوان والفن والرموز والشعارات والملابس والكتابات التي يتم التقاطها في الصور ومقاطع الفيديو لمشاركتها عبر منصات التواصل الاجتماعي. وتميل وسائل الإعلام الرئيسية إلى التركيز على الصور الدرامية والكرنفالية لأنها تدرك أن هذا يولد الاهتمام. من جهتهم، يعلم المتظاهرون ذلك ويدركون أهمية هذا الاهتمام لحشد الدعم. وتساعد الأقنعة على استقطاب العنصر الإعلامي، مما يضمن استمرار أفكار المتظاهرين لفترة أطول وبثها على شبكة أوسع.

تمثّل الأقنعة وسيلة لتعزيز الهوية المشتركة مع الآخرين وإيصال صوت واحد ضد عدو محدد.

كما تساعد الأقنعة المتظاهرين على إظهار تضامنهم مع بعضهم البعض، وأصبحت لغة مشتركة للمعارضة في العالم.

تتحدث هذه الأقنعة نيابة عن المحتجين. ويستخدم المحتجون هذه الأقنعة كوسيلة لبناء ثقافة مضادة وللتعبير عن الوحدة وتحدي الموجودين على رأس السلطة.

كما تعتبر الأقنعة شكلا من أشكال التعبير عن النفس، فهي الوجه الذي نختار إظهاره للآخرين. وقد استخدم الإنسان الأقنعة منذ آلاف السنين لأغراض متنوعة تمتد من الطقوس الدينية إلى العروض المسرحية ومن التسلية إلى الحماية والتخفي.

كما استخدم المتظاهرون الأقنعة منذ فترة طويلة، فهي تساعدهم على التعبير عن مطالبهم دون خوف من أحد.

ويعدّ ارتداء القناع مفيدا في الأنظمة الاستبدادية، ويخفي هوية أولئك الذين يخرجون إلى الشوارع عن أي شخص يمكن أن يلاحقهم ويضر بهم لآرائهم.

وبالإضافة إلى إخفاء هوية الأشخاص، تمتع الأقنعة أصحابها بميزة التحوّل إلى الشخص الذي يختارون تقمص وجهه. وتوفر لهم بذلك فرصة ليكونوا أكثر شجاعة وقوة في المواجهة مع القوى السياسية. ويقول خبير “عندما يرتدي أحدهم قناعا، يصبح شخصا آخر”.

ولكن، رغم ذلك تبقى الوجوه والأجساد ضعيفة وراء القناع الذي لا يستطيع حمايتها من عنف الدولة.