في 14 تشرين الاول الماضي وقبل اندلاع الثورة الشعبية بثلاثة ايام، كانت بيروت على موعد مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر لاستكمال المباحثات في ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية مع اسرائيل. غير ان المسؤول الاميركي ابلغ السلطات اللبنانية أنه ارجأ زيارته من دون ذكر الاسباب التي ربطها المحللون تارة بموجة الاضرابات التي كانت تعم لبنان انذاك وأخرى بعدم اتضاح الصورة في اسرائيل وغياب أي أفق سياسي لتشكيل حكومة جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو، وطورا بالعملية العسكرية التركية في شمال سوريا التي عقّدت الوضع حينها.
الملف تراجع الى الحد الاقصى راهنا، ولم يعد من مجال لاستكمال النقاش فيه في ضوء التطورات التي قلبت المشهد اللبناني رأسا على عقب وأدت الى استقالة الحكومة من دون تشكيل اخرى حتى الساعة، ما يعني عمليا ان شينكر لن يعود الى بيروت قبل تشكيل حكومة جديدة، وهو ما تؤكده اوساط دبلوماسية غربية لـ”المركزية” موضحة ان الجانب الاميركي وبعدما وافق على اجراء المحادثات انطلاقا من الورقة اللبنانية التي وضعها الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، تراجع عن هذا القبول وتمسك بالصيغة التي سبق للسفير ديفيد ساترفيلد ان وضعها والتي ترتكز الى اقتراح فرديريك هوف لمعالجة الخلاف بانتظار ترسيم الحدود نهائيا. ولذلك تضيف الاوساط ان شينكر لن يزور لبنان الا بعد تشكيل الحكومة.
غير ان مصادر سياسية لبنانية ردت على الموقف الاميركي عبر “المركزية” بالسؤال كيف زار شينكر اسرائيل وبحث مع المسؤولين ملف ترسيم الحدود في ظل حكومة تصريف الاعمال؟ ولماذا لا يبحثه مع المسؤوليين اللبنانيين، ما دامت في لبنان ايضا حكومة تصريف اعمال؟
تكشف المصادر ان شينكر لم يعد مقتنعا بمضمون الورقة اللبنانية. وسبق ان المح في زيارته الاخيرة لبيروت الى ان بلاده لا تؤيد مضمون الورقة اللبنانية لان اسرائيل لم توافق عليها. لذلك غابت الوساطة الاميركية، وارجئت الزيارة، علما ان لبنان سيباشر الشهر المقبل أعمال التنقيب عن الغاز في البحر، وفق ما اشار مسؤول في شركة توتال التي ستقوم مع الشركتين الايطالية (ايني) والروسية (نوفاتيك) بالتنقيب عن الغاز في البلوك 9 المتنازع عليه مع اسرائيل. وتتخوف المصادر من ان يسهم الموقف الاميركي في تأخير بدء التنقيب، بعدما اعلنت وزيرة الطاقة عن الشروع فيه الشهر المقبل حتى ان شركة توتال اعلنت جهوزيتها لذلك .
وليس الخلاف الحدودي مع اسرائيل المعضلة الوحيدة في الملف النفطي. ذلك ان عدم ترسيم الحدود اللبنانية مع سوريا يشكل محورا خلافيا بدوره، خصوصا ان البلوكين 1 و2 الواقعين في المياه اللبنانية، والمشمولين بدورة التراخيص الثانية، هما مقابل رقعتين سوريتين. ويزيد الطين بلّة كما تقول أوساط وزارية لـ”المركزية” ان الحكومة تشهد انقساماً إزاء الموقف من سوريا، فبعض القوى السياسية وفي مقدمها رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري يعارض أي انفتاح على دمشق على خلفية ان العداء معها مستمر منذ سنوات، فيما يؤيده حزب الله، حليف دمشق، والتيار الوطني الحر الذي يرأسه الوزير جبران باسيل والذي تتولى الوزيرة في فريقه ندى البستاني وزارة الطاقة. وقد اكدت “ان ثمة مجالا بالتأكيد (للتفاوض) مع سوريا، ويتطلب الأمر البحث فيه قريباً…وعندما وافقت الحكومة على فتح البلوكين 1 و2، وهما على الحدود، فهذا يعني أنها تعرف (مسبقاً) أنّ ثمة اتفاقا ما سيحدث مع سوريا”. وتكشف الاوساط ان هناك احتمالا أن تكون روسيا، أبرز حلفاء دمشق الدوليين، مهتمة بإجراء استكشافات تحديداً في البلوك رقم 2، وبالتالي تؤمن الحل لهذه المعضلة وتضع خطة لتقاسم الموارد والإنتاج.