لن تستفيق الطبقة السياسية اللبنانية لأيام عديدة من «صدمة» الاحتفال المدني الشعبي بذكرى الاستقلال الـ76، للمرة الأولى في تاريخ لبنان الذي اثبت ان الانتفاضة متواصلة لا تستكين ولا تكف عن ابهار العالم بأشكال وأساليب حضارية وراقية. الكرنفال المدني وحَّد اللبنانيين وطغى على كل المشاهد الأخرى، في المقابل، كان المشهد الكئيب للعرض الرسمي في وزارة الدفاع بحضور الرؤساء الثلاثة مثار تندر وجدل، وقد يكون تجهم وجوه الرؤساء دافعاً إضافياً لإشعال الثورة.
وبعد احتفال الاستقلال، انطلقت امس مسيرات طلابية في مناطق طرابلس وعكّار، حيثُ رُفِعت شعارات الثورة وأغلقت مداخل المدارس التي فتحت أبوابها. وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتشرت في الساعات الماضية، دعوات إلى إضراب عام غدا الإثنين، في وقت سجلت اعتصامات أمام محال صرافة اعتراضاً على ارتفاع سعر صرف الدولار. برودة سياسية أما ملف الحكومة فلا يزال في دائرة المراوحة او الاستعصاء، ولا بوادر حلحلة أو أجواء إيجابية في الأفق.
الصورة الرسمية لاحتفال الاستقلال عكست برودة لافتة في العلاقة بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري من جهة، والحريري من جهة أخرى، في ظل انقطاع التواصل المباشر وانعدام الاتفاق لتكليف رئيس جديد للحكومة والتباين حول شكل الحكومة.
تحرك فرنسي
انسداد الأفق محلياً، استوجب تحركا دولياً تقوده فرنسا سعياً الى إيجاد مخرج للازمة تجنباً لانزلاق لبنان الى وضع كارثي. وكشفت اوساط دبلوماسية غربية عن أن فرنسا دعت مسؤولي دائرة الشرق الأوسط وشمالي افريقيا في وزارتي خارجية الاميركية والبريطانية الى اجتماع ثانٍ يضمهما الى نظيرهما الفرنسي في الاسبوع الاول من الشهر المقبل لاستكمال البحث في الازمة اللبنانية. وعلى الرغم من عدم وضوح المواقف الدولية في العناوين الكبيرة، فإن الاجماع على ضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقت تلبيّ مطالب المحتجين بدا واضحاً. وسيكون الوضع اللبناني حاضراً غداً على طاولة مجلس الأمن في جلسة خاصة لمناقشة التقرير الدولي المتعلق بتطبيق القرار 1701، وسيتطرق أعضاء المجلس الى الاوضاع الراهنة.
ووفق مصادر فإن الإصلاحات المطلوبة من السلطة اللبنانية أيا كان شكل حكوماتها تمس في العمق بنية حزب الله العسكرية والشعبية. ومن هنا يمكن فهم مناهضة حزب الله للحراك الشعبي بعد يومين من انطلاقته، ذلك انه يدرك ان الإصلاح يستهدفه لا سيما انه يتزامن مع حملة العقوبات الأميركية الشرسة عليه، وهذا الامر عكسته تصريحات مسؤولي الحزب مؤخرا.