يُحيي اللبنانيون اليوم «أربعينية» ثورتهم على نظام الفساد والمحاصصة والطائفية، في حين تبدو السلطة السياسية في وادٍ آخر، بعيداً عمّا يطالب به الشعب، فهي لغاية الآن لم تبدِ اي استعداد لتقديم تنازلات تُسهم في إنقاذ الوضع الاقتصادي الكارثي، الذي وصل اليه البلد، وسط أزمة انعدام الثقة بين الزعماء، لا سيما بين رئيس الجمهورية مشيال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري؛ إذ يُصرّ عون على عدم الدعوة إلى استشارات نيابية قبل ضمان ان الحريري لن يعتذر اذا ما جرت تسميته لترؤس حكومة تكنوسياسية، في حين الحريري يُصرّ على ان تكون حكومته من الاختصاصيين استجابة لمطالب الناس.
وبينما تستمر خلافات أطراف السلطة حول الحكومة، يبدو أن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية تسير بشكل دراماتيكي نحو «سيناريو كارثي»، كما قال المحلل الاقتصادي د.حسن خليل لــ”القبس”. وأوضح خليل ان الوضع المالي والاجتماعي في لبنان يتجه «الى انهيار فوضوي اذا لم يحدث تدخل دولي لانقاذ البلاد». وحذّر الخبير الاقتصادي، قائلاً: «وصلنا اليوم إلى حائط مسدود، والجميع يلعبون لعبة الصبر الاستراتيجي لكنهم لا يعرفون ان مرحلة التحذير من الانهيار المالي انتهينا منها، ونحن اليوم على ابواب سيناريو غير مسبوق من انهيار الامن الاجتماعي؛ فالسلاح موجود بين ايدي الناس، والقوى الامنية مجتمعة لن تستطيع مسك الشارع إذا فلت».
ولفت خليل إلى ان «المطلوب هو الانتقال من مرحلة التحذير من الانهيار المالي؛ لأنه حصل بالفعل. فأكبر المصارف منهارة، فكيف الحال بالنسبة إلى اصغرها؟! والدولة مُفلسة و«ما معها مصاري»، والذين يراهنون على أن الغرب لن يسمح بالانهيار رهانهم خطأ؛ ففي احسن الاحول الغرب يمكنه ان يساعدنا على البقاء واقفين على اقدامنا. لذا، يجب القيام بشيء لمنع انهيار الامن الاجتماعي الذي سيدمّر البنية اللبنانية بالكامل». واقترح خليل القيام فورا، وبأي طريقة، بتعيين حكومة يرأسها قاضٍ مع هيئة عسكرية أمنية ضمن الحكومة، إضافة إلى بعض اهل الاختصاص، وتكون مهمتها انقاذية ضمن خطة طوارئ، من اجل منع الانهيار الاجتماعي الامني، وكي لا يفلت الشارع إلى درجة، لا يعود أحد قادراً على ضبطه.
ولفت خليل إلى ان نحو 4 مليارات دولار جرى تهريبها منذ 10 تشرين الثاني، وتجب استعادتها فورا، وليس ضمن اطار عملية استعادة الأموال المنهوبة.
مؤشرات واضحة وبدا جليا في الايام الماضية ان لبنان دخل بداية مرحلة الانهيار المالي الاقتصادي، وهناك مؤشرات واضحة تدل على ذلك، منها: أولاً – تراجع كبير في مستوى إنتاجية مؤسسات القطاع الخاص، لا سيما منها قطاعات السياحة والتجارة والصناعة. وفي هذا الاطار، حذّرت جمعية تجار بيروت من خطورة المرحلة التي يمر بها القطاع الخاص، بحيث قد يضطر عاجزاً ومُكرهاً بسبب النقص الحاد في السيولة (بسبب تدابير المصارف) إلى الامتناع عن سداد الأقساط والاستحقاقات المتوجّبة عليه. وقالت: «إن الإجراءات المصرفية ستؤدي حتماً إلى تقليص حجم الأعمال، وبالتالي صرف عشرات الآلاف من الموظفين». ثانياً – شحّ السيولة بالدولار، ما استدعى فرض تدابير قاسية من قبل المصارف في معاملتها مع زبائنها (تحديد سقوف للسحوبات المالية بالدولار وبالليرة، ومنع التحويلات إلى الخارج)، وارتفاع سعر الصرف في السوق السوداء الى 2000 ليرة مقابل الدولار الواحد. ثالثاً – تراجع التصنيف للبنان من قِبل مؤسسات التصنيف العالمية، كذلك تراجع تصنيف مصارف تُعتبر من أكبر المصارف اللبنانية، بما يعني ـــــ في ما يعنيه ـــــ أنّه وفي حال جرى إلغاء القيود على الرساميل فسيلجأ المدّخرون الى سحب أموالهم من هذه المصارف، حيث لن تستطيع هذه المصارف تلبية حاجات المدّخرين، وقد تترتّب على ذلك عملية «دومينو» تتهاوى معها مصارف، تُعتبر من الأنجح في لبنان. رابعاً – تراجع ضخّ اللبنانيين في الخارج للأموال الى أدنى مستوى.