كتب علي الأمين في صحيفة “نداء الوطن”:
ما يزعج أقطاب السلطة في لبنان اليوم، أن انتفاضة 17 تشرين، لا تستعين إلا بذاتها، ترفع شعاراتها وتحدد خطوات المواجهة ضد عقم السلطة وفسادها من دون أن تستقوي بطائفة أو بجهة حزبية أو طرف إقليمي ودولي. وما يربك السلطة في لبنان أن الحركة الشعبية التي تتنفس من رئة لبنانية تدرك أنها حققت إنجازاً في أن التغيير في لبنان لن يتحقق في ظل معادلة الحكم والحكومة التي ارتسمت وترسخت منذ التسوية الرئاسية، وهي أي السلطة التي يديرها “حزب الله” ويحامي عنها، باتت أعجز من أن تقنع عموم اللبنانيين بأنها تستطيع أن تدير الأزمة في الدولة، فكيف أن تدير عملية انقاذها وإخراج اللبنانيين من المأزق الذي أوقعتهم فيه؟
عجز السلطة هذه يدفعها إلى الاستقتال من أجل العودة إلى الوراء، صارت تحلم وتستجدي العودة إلى “الانقسام الآذاري”، تريد من اللبنانيين أن يعودوا إلى زمن الانقسام بين 8 و14 آذار، تريد بقوة أن تلتقط أيّ إشارة دولية أو إقليمية مهما بلغت من الهشاشة، لتستعيد أناشيد ومقولات المؤامرة على “حزب الله” وسلاحه وعلى المقاومة التي يشرف عليها ويديرها “الأخ الأكبر” في طهران. ومن يراقب اللغة التي لا يزال “حزب الله” عاجزاً عن تجديدها تجاه جمهوره، هو أن من يدير انتفاضة اللبنانيين اليوم، هم شركاء له في السلطة أي “تيار المستقبل” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” و”حزب القوات اللبنانية”، لا يريد الاعتراف بحقيقة أن ثمة انتفاضة حقيقية، بل يريد دوماً أن يحيلها إلى فعل الشركاء الذين كانوا أسلموا القيادة والطاعة له طيلة السنوات الثلاث الماضية. انه يستجدي الانقسام في السلطة، لأنه السبيل لبقائه وصياً على السلطة، يدير خلافاتها ويوزع فسادها بين اقطابها بـ”العدل والقسطاس”، وإلا ما معنى أن يتحاشى “حزب الله” اليوم فتح ملفات الفساد، ولا يتعامل مع المفسدين كما العملاء، كما وصفهم أمينه العام؟لم يتنبه “حزب الله” أو لا يريد الالتفات الى أن اللبنانيين باتوا يعرفون عطب السلطة، ويدركون أن لا قيامة للبنان ومؤسساته من غير طريق الدولة، ويدركون أن ملفات الفساد ليست حكراً على طرف دون آخر، لأن المعادلة الحاكمة لادارة الدولة، جرى تركيبها على أسس الفساد، طاقة استمرارها الفساد ولا شيء سواه، لذا لن يسمح صاحب السلطة بفتح ملف الفساد والهدر على مصراعيه، بل يريده وسيلة ابتزاز، وطاقة استمرار السلطة التي اثبتت الأرقام والوقائع عجزها عن الاستمرار. طموح “حزب الله” اليوم أن يعيد تركيب المعادلة نفسها، حكومة سياسية مطعمة بتكنوقراط، باختصار حكومة يرأسها هو، وفيها عدد من وزراء التكنوقراط، قادر على التحكم بادائهم من خلال السطوة الأمنية وسلاح التخوين.
الذهاب باتجاه المؤامرة الأميركية ومؤامرة جنبلاط أو الحريري وجعجع، لم تعد مجدية، ولن توقف هذا الانهيار الذي تعاني منه ما سمي “التسوية الرئاسية”، ولن يكفي توجيه تظاهرة أو عشرات التظاهرات نحو السفارة الأميركية ليعيد التموضع السياسي الى ما يشتهيه “حزب الله”، إذ ليس من الفطنة ولا من السياسة ولا حتى الحنكة، أن تجعل الدولة تتسول وتستجدي العون الخارجي من “الدول المتآمرة” ثم بعد ذلك تريد من هذه الدول ألّا تتدخل أو أن تطلق مواقف في الشأن اللبناني. مقتضى الانسجام مع الذات هو أن تتعلم دروساً في الاقتصاد، اذ ليس من الجائز أن يخرج حاكم لبنان الفعلي بعد استفحال الأزمة الاقتصادية والنقدية المستمرة منذ عقود، كما يقول هو، أنه لا يفهم كثيراً في الاقتصاد!
التظاهر أمام السفارة الأميركية وأمام دول الاستكبار العالمي، لم يعد مجدياً، المجدي للبنانيين بعد كل الفرص التي اخذتها الحكومات المتعاقبة، وبعد الانتصارات الإلهية والكونية التي حققتها الممانعة، وبعد كل الكلام عن الانكفاء الأميركي، أن تقول للبنانيين كلاماً في الاقتصاد، لا شعارات لا تغني أو تسمن من جوع، هدير الاحتجاجات في إيران في وجه “حسين العصر” ينصت لها اللبنانيون، ويتعلمون منها، كما ملحمة الثوار العراقيين التي لا تتوقف وتشير بالأصبع إلى معادلة الفساد التي حققت “الانتصارات الإلهية”.