هل تمرّ طريق القدس بالرينغ؟ هذا هو السؤال الذي تبادر سريعا الى أذهان اللبنانيين الذين تسمّروا امام شاشاتهم لساعات مساء الاحد – الاثنين، يشاهدون غزوة “مناصري” حزب الله وحركة أمل بالمئات، للمنطقة، مدججين بالغضب والعصي، محوّلين اياها ساحة حرب حقيقية، مصوبين إهاناتهم والحجارة ليس الى مواطنين عزّل ثائرين على الفساد والظلم، فقط، بل الى القوى الامنية والعسكرية التي تُركت وحيدة في مواجهة هؤلاء و”فشل” أهل الحكم، في آن.
عمليات الكر والفر التي استمرت حتى ساعات الفجر، لم تعرّ فقط صورة “الدولة العاجزة” التي لم ينبث اي من مسؤوليها ببنت شفة ازاء المشهد السوريالي الصادم، بل شكّلت أيضا، برسائلها التهويلية المتعددة الاطراف، مؤشرا خطيرا الى دخول المواجهة التي بدأت بين أهل الحكم والشارع في 17 تشرين الماضي، مرحلة جديدة، يبدو قوى “الامر الواقع” ستستخدم فيها فائض قوتها، للدفع في اتجاه حسم “المعركة” لصالحها سياسيا، ولو اقتضى ذلك “7 ايارات” جديدة، صدحت حناجرُ “الحزبيين” مهددة ومتوعّدة بها، امس، في “الرينغ” ومحيطه… فهل تكون الغلبة للسلاح من جديد؟ وهل يتراجع الثوار أمام محاولات ترهيبهم؟ وهل يمكن ان يرضخ الرئيس سعد الحريري، حقنا للدماء، لخيار حكومة تكنو-سياسية كما يريدها الثنائي الشيعي والفريق الرئاسي؟
وكأن شيئا لم يحدث أمس، استمر التعاطي الرسمي، ببرودة، مع الوضع الاستثنائي المحلي الدقيق. والفتنة التي لاحت بقرنها، لم تستدع اي اجتماعات او اتصالات سياسية-عسكرية – امنية، طارئة. على خط الحكومة، لم يُدع بعد الى الاستشارات النيابية الملزمة. غير ان مصادر متابعة لتحرك رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الموضوع الحكومي، أكدت أن الخيارات أصبحت ضيقة، لافتة الى أن هناك طلبا بان تكون هناك اجوبة حاسمة في الساعات الـ 24 المقبلة ولاسيما من الرئيس الحريري. وقالت المصادر للـ”أل بي سي”: نحن باتجاه جدي لتحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة وما كنا نتخوف منه في الشارع قد حصل في الرينغ امس”. وأشارت الى أن الرئيس عون سيتجه للاستشارات النيابية. غير ان معلومات “المركزية” اشارت الى ان الاتصالات المستمرة، لم تحقق اي خرق بعد.
من جهتها، وتعليقاً على المواجهات التي حصلت، نقلت مصادر مقرّبة من “حزب الله” عبر “المركزية” اشارتها الى “ان الطرف المصرّ على قطع الطرقات وكسر ارادة الجيش وقرار قائده العماد جوزيف عون بعدم السماح بذلك، يستفز مشاعر اكثر من نصف البلد في وقت يعمل الاخرون على التهدئة وهو غير آبه لما يحصل على طرقات لبنان”. وشككت “بعفوية” النزول الى الشارع كما يدّعون للمطالبة بالحقوق، لان هناك من يوزّعهم على الطرقات بطريقة منظّمة وبشعارات مدروسة”.
في غضون ذلك، وفي حين تحضر التطورات اللبنانية كلّها في جلسة يعقدها مجلس الامن الدولي اليوم لمناقشة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس بشأن تنفيذ القرار 1701، زاد التخبط الرسمي حكوميا، اهتمام الدول الكبرى بالملف اللبناني. فبعد زيارة الموفد الفرنسي كريستوف فارنو بيروت، وعشية زيارة من غير المستبعد ان يقوم بها موفد روسي، حط المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية السفير ريتشارد مور، في لبنان في زيارة استطلاعية، جال خلالها على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيسين بري والحريري ووزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل.
وعرض عون للسفير مور الاوضاع في لبنان، “لا سيما منطلقات الازمة الراهنة والامكانات المطروحة لحلها”.
بدوره أطلع الموفد البريطاني الرئيس عون على الاجتماع الذي عقد في باريس بحضور ممثلين عن فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، والذي خصص في جانب منه لعرض الوضع في لبنان وسبل مساعدته. واكد مور التزام بلاده “مساعدة لبنان ودعم شرعيته الدستورية”، لافتا الى ان بلاده “تدعم تأليف حكومة جديدة من دون ان يعني ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية اللبنانية”.
وكان مور اكد في تصريح “اننا نقف وشركائنا في المجتمع الدولي على استعداد لمواصلة دعمنا للبنان، موضحاً أنّ “مسألة اختيار القادة والحكومة هي مسألة داخلية للبنانيين. لقد كان الشعب اللبناني واضحاً في مطلبه لحكم أفضل، وينبغي الاستماع اليه”. وتابع “مع استمرار الاحتجاجات، ندرك أن الأجهزة الأمنية لها دور صعب ولكنه أساسي في حماية الأمن اللبناني. ومن المهم استمرار احترام حق الاحتجاج السلمي، وأي قمع لحركة الاحتجاج بواسطة العنف أو التخويف من قبل أي جهة أمر غير مقبول على الإطلاق”.
في الاثناء، رابط حزب الله على موقفه الحكومي. فقد اكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أن حكومة إختصاصيين ليس لديها خبرة سياسيّة لا تستطيع أن تدير شؤون البلد في هذه اللحظة، قائلا”نحن نقبل أن تكون هناك حكومة إختصاصيين تكنوقراط مطعّمة بسياسيين لديهم خبرة في إدارة الشؤون حتى لا يأخذنا من يريد أخذنا إلى حيث يريد”.
واوضحت المصادر المقربة من الحزب لـ”المركزية” “ان الرئيس الحريري لا يزال “يتدلل” في وقت تتدهور اوضاع البلد، وهو يتعاطى مع تشكيل الحكومة وفق قاعدة “انا او لا احد” بدليل ما حصل مع طرح اسم الوزير السابق محمد الصفدي، وكل ذلك بهدف الاستجابة لشروطه “الاميركية”.