كتب محمد دهشة في صحيفة “نداء الوطن”:
“الرجاء عدم التصفير عند سماع الأسعار”، تختصر هذه اللافتة التي رفعت على واجهة محل تجاري في صيدا، الغلاء المستفحل في المدينة كما في مختلف المناطق اللبنانية، جراء غياب الرقابة من جهة، والتلاعب بسعر صرف الدولار الاميركي في “السوق السوداء” الذي لامس سعر صرفه 2000 ليرة لبنانية، فيما السعر الرسمي ما زال مستقراً على 1517 من جهة أخرى. لافتة ليست الوحيدة المرفوعة في المحال، إذ سبقتها لافتات أخرى تكشف ضيق الاحوال في المدينة “أسواق فارغة واقتصاد منهار كلياً الى متى؟”، “الدين ممنوع”. الأزمة الإقتصادية تضرب مختلف نواحي الحياة، تفرغ جيوب الفقراء وذوي الدخل المحدود لا سيما مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وتفرض عليهم العوز بدون أي “مقاومة”، على قاعدة “العين بصيرة واليد قصيرة”، حتى باتت مقولة “أكلنا الغلا” تتردد على لسان كل الناس.
وبحرقة لا تخلو من سخرية وعتب، تساءل علي القطب امام “نداء الوطن” عن دور الدولة في رعاية أبنائها، وتفعيل الرقابة على البضائع، قائلاً هل يعقل اننا نخوض “انتفاضة شعبية” منذ 39 يوماً والأسعار الى ارتفاع بدلاً من الانخفاض، كأنهم يريدون مقاصصة الناس وضرب نتائج الحراك، إختفى الدولار وتوقف السحب من المصارف وارتفعت أسعار المنتوجات كافة من اللحم حتى البيض، و”الحبل على الجرار”، والخشية من ان نصل الى يوم قريب لا نجد فيه ثمن رغيف الخبز”.
كل عام، يكبر هم الناس في شهر “أيلول”، يطلق عليه الصيداويون شهر “الميم”، نسبة الى “المدارس” و”المونة” وهمهما الكبير، ولكن هذا العام، انفجر الغضب احتجاجاً شعبياً في شهر تشرين الاول، ويقول محمد بيضون لـ “نداء الوطن”، ان الوضع المعيشي والاقتصادي لم يعد يطاق، لقد انفجرت الثورة الشعبية ضد الفساد والهدر، ولكن الغلاء استفحل مجدداً مع ارتفاع سعر صرف الدولار، نريد ان نعيش بكرامة”، ان المطلوب من اجهزة الرقابة تفعيل حضورها كي تضبط الاسعار وتمنع الاستغلال وتوقف جشع بعض التجار الذين لا يراعون اوضاع الناس وفقرهم.
صرخة بوجه الانهيار الاقتصادي
داخل “المقاهي الشعبية” في المدينة، تحضر الازمتان السياسية والاقتصادية وتداعياتهما في أحاديث روادها على وقع انفاس دخان “النراجيل”، اذ لا تلوح في الافق حلول سياسية قريبة ترضي الشارع، وبالتالي فان البلد يسير نحو المجهول، وسط تأفف تام من الغلاء، ويقول عبدالله رنو “الناس تثور على واقعها المظلم من اجل تحقيق اهدافها في الحياة بحريةً”.
ميدانياً، تميز اليوم التاسع والثلاثون من الحراك الاحتجاجي في صيدا، بتنظيم مجموعة من الشباب “ترويقة خبز وملح” في باحة ملعب صيدا البلدي، تزامناً مع “الترويقة” ذاتها في مختلف المناطق اللبنانية، بهدف ربطها ببعض والتأكيد ان اللبنانيين بات يجمعهم الخبز والملح، بعدما تقاسموه معاً، وتناولوه سوية في ذات الوقت ولكن كل في منطقته، حيث افترش المشاركون الارض في باحة الملعب واقاموا حلقات الفطور، مؤكدين ان المشاركة في هذا النشاط تأكيد على سلمية التحركات. وقالت الناشطة منى حجازي لـ “نداء الوطن”، ان هذه “الترويقة” الجماعية تشبه السلسلة البشرية بين مختلف المناطق، من اجل تمتين ربطها بعضها ببعض والتأكيد على وحدة اللبنانيين ومطلبهم الموحد في تشكيل حكومة انتقالية واجراء انتخابات نيابية مبكرة ومحاربة الفساد ووقف الهدر ومحاسبة الفاسدين، لن نكل او نمل وسنواصل الحراك حتى تحقيق هذه الاهداف المحقة.
“ساحة الثورة” عند تقاطع ايليا، شهدت سلسلة نشاطات، ابرزها احراق العلمين “الاميركي والاسرائيلي” رداً على التدخلات الاميركية في الشؤون الداخلية اللبنانية وآخرها تصريحات السفير جيفري فيلتمان، كما شهدت حفلة زفاف لعروسين هو الثاني ايضاً منذ اندلاع الحراك الاحتجاجي في 17 تشرين الاول، كذلك مسيرة نظمها اصحاب الدراجات النارية، وهي الثانية لهم منذ اندلاع الحراك بهدف المطالبة برفع قرار حظر تجوال الدراجات النارية في صيدا والذي صدر إثر جريمة اغتيال القضاة الأربعة في العام 1999، تحت شعار انه “لم يعد له مبرر بعد صدور حكم القضاء في هذه القضية”، فيما اقدمت مجموعة من الشباب على تغطية عدادات وقوف السيارات في بعض شوارع المدينة بأكياس النايلون بهدف عدم تشغيلها وكتب عليها “ما تجربونا.. الشارع للناس ومش للشركات” و”انتهت أيام الخوة” وهي المرة الثانية التي يقومون فيها بذلك.
وكانت الساحة قد تألقت لمناسبة عيد الاستقلال، بتشكيل علم لبناني عملاق تم جمع اجزائه على شكل قطع “بازل” رفعها مئات المواطنين، وانشدوا النشيد الوطني اللبناني واغاني وطنية وثورية، وشاركهم خلالها الفنان احمد قعبور اغنيته الشهيرة “اناديكم”. واعقب ذلك توقيع المشاركين عريضة “استقلال الشعب”، وسبقتها مسيرة شعبية نظمها حراك صيدا من ساحة “الشهداء” في المدينة وشارك فيها ممثلون عن مؤسسات مجتمع مدني واهلي وعن قطاعات مهن حرة حيث جابت الشوارع الرئيسية انتهاء بتقاطع ايليا.