IMLebanon

عين الرمانة.. السلطة تؤجّج خطوط التماس

حشروه فحشرهم، أرادوه “شماعة” يتلطّون تحتها فنزع غطاءه الحكومي عن تشكيلتهم السياسية ونفض يده من “التسوية”، ليتحرر من قيودها المكبّلة للدستور والهدامة لاقتصاد البلد. فعلها سعد الحريري للمرة الثانية على التوالي بأن أعقب كتاب الاستقالة بكتاب العزوف عن التكليف والتأليف، فآثر الانسحاب بشروطه على التشكيل بشروط غيره، تاركاً “الجمل بما حمل” يرعى في مراعي السلطة، بعدما أمعنت في سياسة “الإنكار والتعنت والمناورة رفضاً للإصغاء إلى أصوات الناس ومطالبهم المحقة”. وإذ راهن على قاعدة “ليس أنا بل أحد آخر” التي تمسّك بها إزاء الممارسات “عديمة المسؤولية”، آملاً بأن يساهم قراره هذا في دفع رئيس الجمهورية ميشال عون إلى المبادرة “فوراً إلى الدعوة للاستشارات النيابية الملزمة”، غير أنه على العكس من ذلك تفاقمت حالة الضياع والتضعضع على جبهة قصر بعبدا، في ظل ما عكسته أجواء التضارب في المعلومات المنقولة عن مصادر القصر ووسائل إعلام “التيار الوطني الحر” حيال موعد الاستشارات، بدايةً عبر تأكيد إجرائها الخميس ثم ترجيحها الجمعة وصولاً إلى ترك باب “التاريخ” مفتوحاً حتى إشعار آخر يحدّده البيان الرئاسي عند صدوره، فأضحت المرحلة الفاصلة بين تسريب المواعيد وتحديدها مرحلة ضبابية عنوانها “حرق الأسماء” المرشحة لرئاسة الحكومة وغربلتها إلى أن يحين أوان الحسم.وأرجع مراقبون حالة التضعضع على ضفة استشارات التكليف إلى كون “حزب الله” لا يزال متريثاً في منح الضوء الأخضر لإجرائها، ربطاً بتحسّسه مخاطر الذهاب نحو عملية حكومية قيصرية غير محسوبة الخطوات والعواقب “سنياً وعربياً ودولياً”، وسط تفضيله خيار تزييت ماكينة حكومة تصريف الأعمال وتفعيل محركاتها على المضي قدماً في خيار “كاميكازي”، نحو حكومة الفريق الواحد خارج نطاق التوافق مع الحريري وما يمثله على المستويين الداخلي والخارجي. وفي الأثناء، يواصل “الحزب” سياسة “قضم الشارع” عبر افتعال غارات ميدانية مضادة تهدف، تحت شعارات طائفية ومذهبية، إلى فرط عقد الحراك الثوري بالقوة سواء في بيروت أو الجنوب والبقاع، وبينما لم تفلح مظاهر الحرق والترهيب والتكسير في وأد حراك ثوار بعلبك وصور، عاد اللعب بنار خطوط التماس التاريخية بين “الشرقية والغربية” في العاصمة، حيث وبعد موقعة “جسر الرينغ” ضرب مناصرو “الحزب” ليلاً على وتر تقاطع “عين الرمانة – الشياح” الحساس، ما أجّج المشاعر الطائفية على الأرض وسرعان ما تدخل الجيش ليشكل حائط صد مانع لتصادم أبناء المنطقتين.

وعلى خطى حليف “تفاهم مار مخايل”، برزت سلسلة تحركات عونية في عدة مناطق مسيحية تحاكي أسلوب “حزب الله”، وتلاقيه في عملية خلق شارع مضاد لشارع الثورة لا سيما على الساحة المسيحية. وفي هذا المجال، لفتت الانتباه أمس المواكب السيارة التي نظمها مناصرو “التيار الوطني الحر” في المتن، حيث سُجل اشتباك بالحجارة في بكفيا بينهم وبين مناصري “الكتائب اللبنانية” رفضاً للمسيرة الاستفزازية العونية في معقل آل الجميّل، في حين تداعى عونيون آخرون إلى التصدي لتظاهرة قرب القصر الجمهوري تنادي بتسريع الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة، الأمر الذي خلق بلبلة ميدانية بين الشارعين تدخلت على إثره القوى الأمنية والعسكرية للفصل بينهما.

في الغضون، تتوالى الرسائل الدولية الداعية إلى حماية المتظاهرين اللبنانيين في مواجهة هجمات مناصري السلطة، والجديد في هذا السياق تحذير منظمة العفو الدولية من أنّ هذه الهجمات تؤشر إلى “تصعيد خطير وعلى السلطات احترام حق التجمع السلمي”، بينما كان لمساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر موقف لافت أمس حيال المستجدات اللبنانية قال فيه: “رأينا إعلان رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري حول عدم تشكيله حكومة جديدة، ورأينا التقارير الصحافية عن حركتي أمل وحزب الله، وموقفنا يبقى نفسه وهو أنه لا يجب على أي طرف القيام بأعمال عنف”، مضيفاً في ما يشبه الرسالة الأميركية المشفرة برسم السلطة اللبنانية: “نحن ندعم المطالب المشروعة للشعب اللبناني بتشكيل حكومة تقوم بإصلاحات اقتصادية وتحارب الفساد، وسنرى ما إذا كان الشعب اللبناني سيقبل بحكومة مشابهة للحكومة السابقة التي تظاهر ضدها”.