كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
كشف مصدر وزاري وثيق الصلة بالاتصالات الجارية لتشكيل حكومة جديدة بأن رئيس الجمهورية ميشال عون اصطدم بمعارضة «الثنائي الشيعي» المجيء بحكومة من لون واحد بعد أن قال رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري كلمته وأخرج نفسه من المشاورات إفساحاً في المجال أمام المجيء بتشكيلة وزارية قادرة على وقف التدهور المالي والاقتصادي الذي بلغ ذروته.
وقال المصدر الوزاري إن الرئيس عون أُحيط علماً بموقف الثنائي الشيعي المعترض على تشكيل حكومة من لون واحد لكنه لا يزال يراهن على إمكانية تعديل موقفه، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري وقيادة «حزب الله» لا يحبّذان إقحام البلد في مواجهة سياسية لأنهما يدركان تداعياتها السياسية والأمنية في ظل الظروف الراهنة التي لا تحتمل انجرار هذا الطرف أو ذاك إلى مغامرة من العيار الثقيل.
ولفت إلى أن تشكيل الحكومة العتيدة يجب ألا يقوم على الثأر السياسي من خصومه لأن البلد لا يحتمل إقحامه في انقسام عمودي، وسأل عن الأسباب الكامنة وراء الحملات السياسية والإعلامية التي ينظمها «التيار الوطني الحر» ضد الرئيس الحريري مع أن الأخير كان بادر إلى تحديد المواصفات الواجب الالتزام بها لإنقاذ البلد من أزماته والتي تقوم على تشكيل حكومة من اختصاصيين لمرحلة انتقالية تعمل على استعادة الثقة كأساس لتوفير الحلول لها.
كما سأل عن الدوافع التي أملت على الرئيس عون وتياره السياسي التركيز مجدداّ على مكافحة الفساد ووقف هدر المال العام، ورأى أن الحديث عن إحالة رئيس الجمهورية 18 قضية تتعلق بأشخاص على علاقة بملفات من هذا القبيل وينتمون إلى طائفة معينة، خصوصا أنه لا يوجد ملف يتعلق بالكهرباء، وكأن هذا القطاع فوق الشبهات مع أنه مضى نحو 11 عاماً على تسلّم وزراء من «التيار الوطني» وزارة الطاقة، أنفقوا عشرات المليارات من الدولارات بغياب الهيئة الناظمة ومجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان.
وقال المصدر الوزاري إنه من غير الجائز القول إنه لا مكان للهدر في قطاع الكهرباء مع أن تبادل الحملات حول سوء إدارته بين الوزراء لم تتوقف.
واعتبر أن للحملة على الحريري أكثر من سبب أبرزها عدم موافقته على أن يشكّل حكومة تكنوسياسية يراد منها تعويم الحكومة المستقيلة من جهة ويُطلب منه بأن يوفر لها الغطاء السياسي لتسويقها لدى المجتمع الدولي. وأكد أن ما يهم رئيس الجمهورية تعويم الوزير جبران باسيل وتقديمه على أن وجوده في الحكومة أكثر من ضرورة رغم أن توزيره يلقى معارضة باعتباره من الوجوه النافرة التي لا تسهم في تبريد الأجواء السياسية وتستفز «الحراك الشعبي».
ورأى المصدر الوزاري أن الإصرار من قبل الفريق الوزاري لرئيس الجمهورية وباسيل على تشكيل حكومة تكنوسياسية ما هو إلا غطاء للمجيء بحكومة «تكنو – باسيلية» أي أن يكون لباسيل الدور الأساسي في اختيار الوزراء واسم رئيس الحكومة.
ومع أن المصدر الوزاري لا يتفق والرئيس بري على ما نُسب إليه بأن اسم رئيس الحكومة لم يعد مهماً، أكد في المقابل رفضه تسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة من دون التشاور مع الحريري والوقوف على رأيه، وبالتالي اختيار اسم يُطلب منه أن يرأس الحكومة من دون أن يؤخذ برأيه في اختيار الوزراء.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية أن اسم الوزير السابق بهيج طبارة طُرح كواحد من أبرز المرشحين لتولّي رئاسة الحكومة على أن تكون التشكيلة الوزارية مختلطة تجمع ما بين الاختصاصيين والسياسيين بعد أن سُحب من التداول اسم نائب بيروتي من الوجوه الجديدة حاول الفريق الوزاري التابع لباسيل تسويقه، لكن دون جدوى.
وأكدت المصادر نفسها أن طبارة أجرى مروحة واسعة من الاتصالات شملت الرؤساء الثلاثة وقيادة «حزب الله» وباسيل، وأبدى موافقة مبدئية وإنما مشروطة لترؤس حكومة لمرحلة انتقالية تعمل على إنقاذ البلد من الانهيار الاقتصادي، وقالت إنه أعد لائحة تضمّنت أكثر من 30 اسما مرشحين للدخول في الحكومة وينتمون إلى القوى السياسية الرئيسة، إضافة إلى ممثلين لـ«الحراك الشعبي» لديهم القدرة والمواصفات لمحاكاته تلبية لمعظم المطالب التي طرحها.
وأوضحت أن طبارة لا يقف ضد تطعيم الوزارة بوجوه سياسية لكنه يفضّلها بأن تكون قليلة الدسم ومقبولة شعبياً ولا تشكل استفزازاً للشارع والمجتمع الدولي في آن معاً.
لكن طبارة اصطدم – كما تقول هذه المصادر – بشروط مضادة من شأنها في حال موافقته عليها أن تؤدي إلى تقييده وتكبيل صلاحياته المنصوص عليها في الدستور اللبناني، والتي تعطيه حرية اختيار الوزراء بالتشاور مع رئيس الجمهورية من دون أن يدير ظهره للقوى السياسية، شرط أن لا تقف حاجزاً يحول دون المجيء بحكومة منسجمة قادرة على أن تنقل البلد من مرحلة ما قبل 17 أكتوبر (تشرين الأول) إلى مرحلة ما بعدها في ضوء المفاعيل السياسية التي فرضها «الحراك الشعبي».
وكانت العقدة الأولى التي واجهها طبارة تكمن في أن باسيل اشترط عليه أن يسمي هو الوزراء المسيحيين في مقابل حصر دور طبارة في اختيار الوزراء من الطائفة السنية.
لكن طبارة رفض هذا الشرط، كما أن الرئيس بري أبدى تعاونه معه وأبلغه أنه يسلّمه أسماء من يمثّل حركة «أمل» في الحكومة قبل الإعلان عن التشكيلة الوزارية، وهذا ما لم يوافق عليه طبارة الذي رأى أن من صلاحيته تسمية وزير المال.
وهكذا كرّت سبحة الشروط التي من شأنها أن تُحرج طبارة، خصوصا أنه تردّد بأن باسيل يصر على أن يكون من بين الوزراء لأنه من غير الجائز استبعاده بعد أن أمضى من دون انقطاع ولمدة 11 عاماً وزيراً في جميع الحكومات التي شُكّلت منذ العام 2008.
وتردّد أن باسيل يتعامل مع إبعاده من الوزارة – على ذمة المصادر الوزارية – على أن هناك محاولة لتقليص حظوظه في خوض الانتخابات الرئاسية، فيما هو يراهن على أنه لا يزال الأقوى ويحظى بدعم غير مشروط من حليفه «حزب الله»، وبالتالي لا يعترف بالخسائر السياسية والمعنوية التي ألحقها به «الحراك الشعبي».
وبالنسبة إلى موقف الحريري، قالت المصادر الوزارية إن خصومه يحاولون عن سابق تصور وتصميم تحميله مسؤولية افتعال العراقيل في وجه وصول طبارة إلى رئاسة الحكومة بذريعة أنه لا يزال يطمح للعودة إلى رئاسة الحكومة. واعتبرت أن تحميل الحريري هذه المسؤولية ما هو إلا محاولة للهروب إلى الأمام لرفعها عن خصومه الذين اشترطوا على طبارة جملة من الشروط.
ونفت ما تردد أن طبارة اشترط على الحريري أن يرشحه هو شخصياً بموافقة رؤساء الحكومة السابقين ودار الفتوى، وقالت إنه أبدى دعمه له وأبقى الباب مفتوحاً لمزيد من التشاور ريثما ينتهي من عقد لقاءاته مع الآخرين.
لذلك، هناك من يحاول أن يرمي الكرة في مرمى الحريري مع أنه نأى بنفسه عن وضع الشروط، وأن غيره من وضعها، لكن أمر العمليات استهدفه لإبعاد الشبهة عن خصومه، وصولاً إلى البحث عن مرشح آخر يتناغم مع طموحات باسيل الرئاسية ويكون هو الآمر الناهي في الحكومة.