كتب د. مازن ع. خطاب في صحيفة “اللواء”:
من شأن الصراع السياسيّ الحاصل على ملف التشكيل الحكومي أن يُعيد صياغة قواعد الحكم في البلاد من ناحية الأوزان والتوازنات، وبات جلياً أن القوى السياسية لا تزال تبحث عن صيغة تسمح لكل طرف سياسي، بحسب حساباته واجندته السياسيّة، أن يعود الى الحُكم من خلال إعادة إنتاج للسلطة وتشكيل حكومتها. إلّا أن الأطراف السياسية وامتداداتها على الساحتين الإقليمية والدولية دخلت في معركة عضّ أصابع وسباق محموم مع الزّمن في ظلّ تصاعد غضب الشارع المنتفض، فيما يستمر رئيس الجمهوريّة في تجاهل الدستور وتأجيل الدعوة الى الاستشارات النيابيّة الملزمة التي يجري بموجبها تكليف رئيس للحكومة.
نسخة العهد للحكومة
يواصل رئيس الجمهوريّة جهوده واتصالاته لتأمين توافق مسبق من أجل تشكيل حكومة جديدة مختلطة تضم وزراء سياسيّين يمثّلون مختلف المكونات السياسية ووزراء اختصاصيّين من ذوي الكفاءة والسمعة الطيبة، اضافة الى ممثلين عن «الحراك الشعبي»، حكومة يتوافر لها الغطاء السياسي اللازم.
ويرى الخبراء في القانون الدستوري أن مساعي رئيس الجمهوريّة في إنضاج التشكيلة الحكوميّة قبل التكليف هو أمر منافٍ للأحكام الدستورية، وينتقص من صلاحية الرئيس المكلّف. وفي المُقابل خرجت آراء تدعم رئيس الجمهوريّة في هذه الخطوة التي وضعت في خانة «التدبير الاحترازي».
وهذه القراءة تنطلق من أنه في حال تمّ تكليف رئيس للحكومة بشروط متوافق عليها مسبقاً وقام الأخير بالالتفاف عليها عند التأليف لتحسين شروطه الوزاريّة، حينها ستكون الحكومة رهينة لاعتبارات الرئيس المُكلّف، خصوصاً انه ما من نص دستوري يقيّد الرئيس المكلف بمهلة للتأليف، ولا وجود لسياق دستوري يسمح بسحب التكليف منه، والوسيلة الوحيدة لإنهاء التكليف هي اعتذار الرئيس المُكلّف بإرادته.
وفي كلّ حال يبدو ان خيار «العهد» و«الثنائي الشيعي» وحلفاؤهم لا يزال إعادة تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة نسخة حكومية منقحة على أساس المواصفات التي يُريدها رئيس الجمهوريّة. ولكن الطرح لا يقتصر على اسم الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة، وستدخل في البازار الحكومي اسماء أُخرى، قد يكون الحريري هو مصدر تسميتها.
الّا أن معلومات مُسرّبة أفادت الأيام القليلة القادمة ستشهد حسماً لموضوع التكليف، فإمّا يقبل الرئيس الحريري بخيار تأليف حكومة من اختصاصيين وسياسيين، وإمّا سيتم تكليف شخصية أُخرى غيره تأليف الحكومة، يقدّر البعض أنها شخصيّة مصرفيّة ولها دور استشاري في قصر بعبدا.
الحريري وحكومة اختصاصيّين
يتمسّك الرئيس الحريري بحكومة من الاختصاصيّين المستقلين عن الأحزاب المكونة للحكومة المستقيلة، تتولى تنفيذ أجندة اقتصادية مُقررة تتضمن ورقة الحكومة الاقتصادية وبعض العناوين الاصلاحية خلال مدّة زمنيّة محدّدة.
وقد أوضح الحريري امام اعضاء كتلة «المستقبل» انه ليس في وارد ان يقبل بتكليفه صورياً بتشكيل حكومة يؤلفها آخرون ليديروها لاحقاً. وإذا اصرّت الأطراف السياسيّة الاُخرى على حكومة مُختلطة من السياسيّين والاختصاصيّين، فإن الحريري لن يقبل التكليف وسيصرّ على تسمية شخصيّة مستقلة وغير سياسية لتولي منصب رئيس الحكومة بموافقته، ومن المرجّح ان «المستقبل» سيكون ضمن الحكومة.
ويرى البعض انّه في حال رفَضَ الحريري التكليف، سيكون من الأفضل له عدم تسميّة أي شخصية أُخرى لكيلا يُرتّب عليه أي مسؤوليّة في حال فشلت هذه الشخصيّة لأي سبب كان، وليكُن التكليف بموجب المشاورات المُلزمة بين رئيس الجمهوريّة والكُتل النيابيّة.
وفي سياق مُتّصل، في حال عدم مشاركة الحزب «التقدمي الاشتراكي» وحزب «القوات اللبنانية» في حكومة لا يرأسها الحريري يعني ذلك أن حضور «المستقبل» فيها لن يكون محسوماً لشعوره بأنه سيكون وحيداً في مواجهة الآخرين، وبالتالي قد يلجأ رئيس الجمهوريّة وحلفاؤه الى تشكيل حكومة من «لون واحد» تكون ناقصة التمثيل من المكوّنات السياسيّة الاساسيّة.
التّوجهات الدّولية في ملف لبنان الحكومي
على خطّ المساعي الفرنسيّة، نقلت «اللواء» خبراً مفاده أن إدارة الرئيس الفرنسي أبلغت من يعنيه الأمر ان فرنسا تُفضّل استمرار حكومة تصريف الأعمال، إذا لم يكن من الممكن التوفيق بين طروحات الفرقاء، أي بين إصرار فريق العهد وحلفاؤه على حكومة تضم سياسيين مُقابل إصرار الرئيس الحريري على حكومة من الاختصاصيّين المستقلين.
ودخلت أميركا على خط تأليف الحكومة اللبنانيّة، حيث قال المسؤول في الخارجية الأميركية وسفير الولايات المتحدة السابق في لبنان جيفري فيلتمان أنه في حال عادت الحكومة اللبنانيّة الى عملها كالمعتاد، أي بمشاركة «حزب الله» فيها، فلن يكون هناك دعم الاقتصادي والمالي من الولايات المتحدة الأميركية وآخرين.
وعلى صعيد موسكو، وبعد زيارة الموفد الفرنسي بيروت مؤخرًا، يتم الحديث عن مسعى روسي على خط حل الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، بعدما دخلت روسيا لاعبًا مهمًا بسياسات المنطقة. وكشفت مصادر متابعة أن الرئيس سعد الحريري أوفد مستشاره جورج شعبان إلى موسكو للقاء المسؤولين الروس، وتقديم وجهة نظره لهم، خصوصاً بعد موقف وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي أعرب أن حكومة «تكنوقراط» أمر غير واقعي في لبنان.
وهناك حديث ان الساعات الأخيرة انتهت الى تعديل في التصوّر الغربي، والموافقة على حكومة مختلطة تضم اختصاصيين الى جانب سياسيين، على الّا تتجاوز حصة الوزراء السياسيين ربع أعضاء الحكومة.
بالنتيجة – إنّ الأزمة القائمة تدور على التوازنات والمكتسبات أكثر منها على الأسماء، وهذا الخللُ هو ما يُعطِّل البلد فعليًّا. وبانتظار ما ستؤول إليه المشاورات السياسية في ظلّ التجاذبات القائمة والحسابات المحليّة والدوليّة، يبقي المشهد الميداني على حاله في ساحات الاحتجاج في مختلف المناطق اللبنانيّة، فيما تشتدّ الأزمة الاقتصادية والمالية على الشعب الذي بات يرزح تحت الضغوط المعيشيّة والاجتماعية، مع ارتفاع نسبة البطالة وغلاء المعيشة.