كتبت مريم سيف الدين في صحيفة “نداء الوطن”:
نجحت أمهات من عين الرمانة في نسف خطوط التماس التي حاول البعض إحياءها ليل أمس الأول. فردّت الأمهات أمس على محاولات الاستفزاز وافتعال الفتنة التي عاشتها المنطقة لليلتين متتاليتين، بالدعوة إلى التظاهر رفضاً للفتنة، قرب محمصة صنين، على بعد أمتار من المكان الذي تجمع فيه شبان يهتفون هتافات مذهبية ومؤيدة لـ”حزب الله” و”أمل”، محاولين الدخول إلى المنطقة بشكل عدائي، قبل أن يردعهم الجيش. وتمكنت الأمهات من محو الصورة التي انتشرت أمس الأول وأعادت إحياء ذكريات الحرب الأهلية ومخاوف اللبنانيين. وجنباً إلى جنب مع أمهات جئنَ من الشياح، سارت النسوة ومعهن رجال وشباب باتجاه منطقة الشياح، حيث استقبِلوا بنثر الأرزّ. ما أعاد الأمل إلى الذين اعتقدوا أن ثورتهم قوّضت، وتمت طمأنتهم الى أن أبناء المنطقتين نجحوا في تجاوز خطر حاولت بعض الأحزاب جرهم إليه.
“مش محاور مش متراس، هيدا الشارع لكل الناس”، هتاف علا منذ بدء التجمّع في عين الرمانة، وأثبته الناس من قلب الشياح. فالمسيرة وصلت إلى بنك عودة في الشياح، حيث كان محور الـ”فور يو” وفق إحدى النسوة. عند هذه النقطة وقف المعتصمون وأنشدوا النشيد الوطني اللبناني. انضمّ إليهم شباب ونسوة من المنطقة. بعدها عادت المسيرة إلى تقاطع الشياح – عين الرمانة، بعد أن طُلب من المتظاهرين عدم التقدم أكثر. ففي المنطقة بعض الوجوه التي تراقب المشهد بوجوه حزبية. وبعيداً من هذه الوجوه ورغباتها، عمّ مشهد واحد في المنطقتين، وصدحت فيهما هتافات جامعة ترفض الطائفية وترفض الحرب الأهلية والتفرقة وتطالب بالدولة المدنية. لتعلن بعدها إحدى النسوة أنهن كسرن الطائفية والتفرقة.
المحجبات كنّ ملاحقات إعلامياّ بداية الوقفة، ربما لأنهن في لاوعي الإعلام غريبات عن المنطقة ووجودهن فيها حدث بذاته. لكن المشهد بات عادياً بعد أن ازدادت أعدادهن. أحاديث كثيرة تبادلتها النسوة الساكنات في المنطقتين، أحاديث تعبّر عن حال واحدة ومصلحة ورغبة واحدة. “فلا نريد أن نخسر أبناءنا، أليس أبناؤنا من سيقتل في الحرب؟!”. والأمهات من جيل عايشن الحرب ويدركن مأساتها ويصررن على ألّا يعيش أبناؤهن التجربة ذاتها. تحكي إحدى السيدات المحجبات لسيدة أخرى عن السبب الذي دفعها للنزول إلى الشارع لملاقاتها: “مشهد أمس دفعني للنزول معكنّ اليوم، فلا نريد أن يعيش أبناؤنا الحرب”.
وعن الحرب تقول سيدة أخرى “داست” على خط التماس زمن الحرب وتزوّجت من رجل آخر، أنها في الحرب اكتشفت أن أحد القناصة كان يقبض من زعيمين متحاربين لقتل الناس من الطرفين. هي قصة من خلفها عبرة تنطبق اليوم أيضاً.
في حديث لـ”نداء الوطن” تشير الإعلامية تانيا عوض غرة، إحدى المساهمات في التحضير للتحرك الى أن الدعوة لتحرك الأمهات أتت بعد الغليان الذي شعرن به بسبب مشاهد التوتر التي شاهدنها عبر الشاشات. فتداولن الدعوة بسرعة وتلقفتها الأمهات، “لأننا نربي أبناءنا بأعيننا ونحن عايشنا الحرب ورأينا كيف خسر أهلنا أبناءهم. شعرنا اليوم وكأنهم يهددوننا بالسلم الأهلي ويهوّلون علينا بمناوشات في الشوارع. نحن كأمهات نقول إن الحرب الأهلية انتهت فلا يستغل أحد أولادنا”. وعلى الرغم من الوعي الذي يظهره الكثير من الشباب، تتخوّف غرّة من جرهم إلى الحرب عبر افتعال إشكالات تحرك مخاوف معينة. هذه المخاوف لا تمنع غرة من الإصرار على مواجهتها والتأكيد أن “لن يربح أحد اللعبة علينا”.
من جهتها ترى الصحافية رانيا حمزة، من سكان عين الرمانة، المسيرة باتجاه الشياح إنجاز يؤكد أن أهالي المنطقة يريدون العيش المشترك. وتقول حمزة لـ”نداء الوطن” إن التعايش في عين الرمانة حقيقي وليس مفتعلاً وليس “شعارات كليشيه”، “ففي عين الرمانة وعلى العكس من الحدث يمكن للمسلمين شراء المنازل أو استئجارها، وباتوا جزءاً من نسيج المنطقة”. وتشير إلى أن الليلة السابقة شهدت كماً من الشائعات المبالغ بها والحركشات: “حاول شبان على الدراجات النارية تنفيذ اعتداءات أمس، وجرى طردهم بالتي هي أحسن. فيمكن لأي كان الدخول إلى عين الرمانة من دون أن يتعرض له أحد. لكن ما جرى بالأمس كان اعتداء خطط له وتزامن مع اعتداءات في مختلف المناطق، وكأن المقصود إشعالها جميعها ما جعلنا بحالة دفاع عن النفس”. كذلك تشير حمزة إلى الدور الذي لعبه أهالي عين الرمانة منذ بدء الثورة.