أزمة السيولة إلى تفاقم والحلول باتت تتطلب معجزة… خلاصة يتقاطع، عند التشديد عليها، أهل الاختصاص والمعنيون في القطاعين الاقتصادي والمالي متوجسين من “الآتي الأعظم”. مخاوف وهواجس تتعاظم وأفكار يتم تداولها لمواجهة الأزمة، وجديدها لا بل أخطرها، ما جرى الهمس به خلال الساعات الأخيرة عن “فكرة جهنمية” تكاد تحرق “الأخضر” في الأرصدة المصرفية عبر فرض “لبننة” الحسابات الموجودة لدى المودعين بالدولار الأميركي من خلال توقّف المصارف نهائياً عن إتاحة السحب النقدي بالدولار، بحيث يصار إلى وضع المودع أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالأمر الواقع أو بتحويل رصيده من الدولار إلى الليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي لدى المصرف المركزي لكي يتمكن تالياً من سحب أمواله بالليرة.
هو “هيركات” مقنّع لا بد من التحذير من تبعاته الخطيرة على النظامين الاقتصادي والمصرفي في لبنان، ومن انعكاساته الكارثية على مدخرات المودعين من مقيمين ومغتربين. فمواجهة أزمة السيولة لا تكون بتوقّف المصارف عن الدفع بالدولار للعمليات التي تتعلق بسحوبات من الودائع بالدولار الأميركي وهي الجزء الأكبر من الودائع في القطاع المصرفي. صحيح أن لا شيء رسمياً من هذا القبيل قد صدر بعد ولكن من يرى المنحى التقنيني لنظام “إدارة السيولة” المعلن مؤخراً، وهو التعبير الملطّف لـ”الكابيتال كونترول”، يتضح له أن قراراً من هذا النوع قد يأتي في السياق “المنطقي” للأمور الخارجة عن أي منطق أو قانون. فبعد توقف الصرافات الآلية عن تأمين الدولار، والتدابير المتخذة لجهة وضع سقوف لقيمة السحوبات النقدية المتاحة وهي في إنحسار يومي عند كونتوارات المصارف، وإمتناع هذه الأخيرة عن فتح الإعتمادات لتمويل الحركة التجارية لا سيما مع الخارج، وتجميد التسهيلات المصرفية، كلها مؤشرات دالّة على أنّ قراراً من هذا النوع لم يعد مجرّد ضرب من ضروب الخيال. لكن وإن مرّت الأمور حتى الآن بأقل الأضرار والخسائر الممكنة، غير أنّ أي قرار من قبيل إجبار المودعين على “لبننة” دولاراتهم لا شك وأنه قرار غير محسوب العواقب ويوجب التصدي له استباقياً والتحذير من آثاره الكارثية على المواطن والوطن على حد سواء باعتباره سيقضي على ما تبقى من مصداقية للقطاع المصرفي بشكل خاص ومن ثقة بالإقتصاد الوطني بشكل عام.
الكل يعي خطورة المرحلة، الكل يعي أيضاً أنّ هناك أكلافاً لا بد منها للخروج من الأزمة، ولكن لا بد من تحديد نسب ومعايير توزيع هذه الأكلاف. آن الاوان لمصارحة اللبنانيين وفتح الدفاتر. سياسة “رأس النعامة” والهروب إلى الأمام كما سياسة الصمت و”الأذن الطرشاء” هما أسوأ السياسات الهدّامة للبلد… وذلك بحد ذاته ما يغذي الشائعات وتفاقم الأكلاف.