كتبت راجانا حمية في صحيفة “الاخبار”:
لم تعد الخطوط الساخنة الموصولة بالوزارات والجهات المعنية كافية لقياس سخط المستهلكين من ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية. فمؤشر أسعار تلك السلع، التي تصحّ تسميتها بقوت اليوم، يشهد تقلبات يومية صعوداً. مع كل «شرقة شمس»، ثمة سعر جديد للسلعة، لن يتوقف في مكانٍ ما أو عند حدٍ ما، ما دام الدولار «شارداً».
اليوم، لا يمكن حصر سعر ما صارت عليه سلّة الأساسيات من المواد الغذائية والاستهلاكية. هذا ما تؤكده المديرة العامة لوزارة الاقتصاد عليا عباس، وما يقوله المعنيون والمراقبون للأسعار. ففي كل يوم تقريباً ثمة سعر جديد للسلعة الواحدة. أكثر من ذلك، «لم يعد سعر المنتج نفسه واحداً، بل يختلف من متجرٍ إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى»، يقول زهير برو، رئيس جمعية حماية المستهلك. هذه خلاصة كافية للقول إن ثمة فوضى عارمة. أما سببها؟ فإننا اليوم في مرحلة «ترانزيت» بين ما كانت عليه الأسعار وما صارت عليه، انطلاقاً من سعر الصرف «الموازي» للدولار وسوقه السوداء. وبما أن نحو 85% من المواد المستهلكة في السوق اللبناني مستوردة، فالأزمة واقعة، خصوصاً أن عملة الاستيراد هي الدولار. وهي واقعة لسببين، أولهما يتعلق بالإجراءات المصرفية الاستنسابية التي أسهمت في تعزيز الأزمة من خلال وقف التحويلات المالية وإلغاء التسهيلات التجارية. وقد أدى هذا الأمر إلى «لجوء» المستوردين وتجار الجملة إلى السوق السوداء لتحصيل الدولار. أما ثانيهما، فيتعلق بـ«جشع بعض المستوردين والتجار واستغلالهم للأزمة لفرض أسعارٍ يضعونها بلا حسيب ولا رقيب، ملوّحين بانقطاع المواد الغذائية في حال عدم القبول»، يقول مصدر في مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد.
المستوردون والتجار يربطون ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية بـ«لعب» الدولار. ويبررون بأإن «سعر السلعة بيفرق بين ما يكون الدولار بـ1700 ليرة وبين ما يكون بـ2100». وإن كان لا يمكن لوم الكل هنا، إلا أن الاسترسال في هذا التبرير دفع بالكثير من المحتكرين من تجار الجملة والمستوردين «إنو تشبع من تحت راس الدولار»، بحسب عباس، إذ إن أزمة الدولار «فتحت الباب واسعاً أمام جشع البعض، ونلمس هذا الأمر من خلال الجولات الميدانية التي تقوم بها الوزارة». حتى اليوم، يمكن أن تحصر عباس الزيادة على المواد الغذائية الأساسية ما بين 10 و11%، وإن كانت «نطّت» إلى 25% بالنسبة إلى سلعٍ أخرى، وإن كانت محدودة.
المؤشر اليوم «إلى ارتفاع»، والأزمة بحسب عباس تكمن في الصلاحيات المحدودة لوزارة الاقتصاد، إذ تقتصر في غالب الأحيان على تسطير محضر ضبط وتحويله إلى القضاء. وهذا وحده كاف لكي لا يكون رادعاً. لهذه الأسباب، في ظل محدودية الصلاحيات (إذ تنحصر في الغالب في ترتيب العلاقة بين تاجر المفرّق والمستهلك) التي تقتصر على تسجيل المخالفات، وجهت الوزارة، أمس، كتاباً إلى وزير العدل بغية منح مديرية حماية المستهلك «صلاحيات استثنائية»، على الأقل خلال فترة الأزمة. وتسمح هذه الصلاحيات لوزارة الاقتصاد بمنح المخالفات «صفة العجلة»، من خلال تحويلها إلى القضاء المختص ــ القاضي المنفرد الجزائي المختص ــ سنداً لقانون أصول المحاكمات الجزائية، وتحديداً المادة 39 منه، التي تنص على أنه «يحقّ ﻟﻨﻮﺍطير ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﻣﻮﻇﻔﻲ المراقبة في ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﻣﺮﺍقبي ﺍﻷﺣﺮﺍﺝ ﻭحماية المستهلك والموظفين المختصين بالرقابة في الجمارك ﻭﺇﺩﺍﺭﺓ ﺣﺼﺮ ﺍﻟﺘﺒﻎ ﻭﺍﻟﺘﻨﺒﺎﻙ وفي المرافئ والمطﺎﺭﺍﺕ ﻭفي ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺣﺔ ﻭﻟﻠﺤﺮﺍﺱ الليليين ﺃﻥ ﻳﻀﺒﻄﻮﺍ، ﻛﻞّ في ﺣﺪﻭﺩ ﺍﺧﺘﺼﺎﺻﻪ، ﻭﻭﻓﻖ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ المنوط به ﺗﻄﺒﻴﻘﻬﺎ، المخالفات ﻭﻳﺜﺒﺘﻮﻫﺎ في محاضر ﻣﻨﻈّﻤﺔ ﺃﺻﻮلاً ﻭﻳﻮﺩﻋﻮﻫﺎ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﺍلمنفرد المختص». من شأن هذا الاستثناء أن يمنح تلك المخالفات، إضافة إلى صفة العجلة، صفة «الردع من خلال سرعة التنفيذ».
إذاً، في ظل عدم القدرة على وضع سقفٍ للأسعار في ضوء «لعب الدولار» وعجز الوزارات المعنية عن الردع، اليوم هو دور قضاء العجلة لضبط الواقع «الشارد» مع الدولار. فهل ينجح القضاء حيث عجزت وزارة الاقتصاد؟