منذ اندلاع الثورة الشعبية في وجه الفساد السياسي في 17 تشرين الأول الماضي، بقي الخارج كل الخارج، بعيدًا من واجهة المشهد اللبناني الداخلي إلى أن قررت فرنسا بعد نحو شهر على حراك الشارع وفي ظل انعدام الحلول بين الشعب الثائر المصرّ في انتفاضته المحقة على محاسبة الفاسدين واسترجاع أموالهم المنهوبة وإعادة بناء الدولة النظيفة، وبين السلطة الحاكمة التي أمعنت في مواجهته برفض تحقيق أي من مطالبه، التدخل ولو من باب استطلاع “الأم الحنون” حال “ابنها السياسي الضال” لإعادته إلى بيت الشعب المفترض أنه في موقع السلطة لخدمته وتأمين حياة لائقة كريمة له لا لتركه ينتفض في الشارع ضد نهبه وسرقته. فأوفد الرئيس إيمانويل ماكرون مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو الذي اجتمع في بيروت مع كبار المسؤولين والقادة السياسيين والخبراء الاقتصاديين ونقل مشاهداته والأراء إلى الإدارة الفرنسية كما إلى نظيريه الأميركي والبريطاني اللذين اجتمع إليهما لاحقًا.
بعد فارنو، وإزاء اشتداد الأزمة من دون بوادر حل، توافد إلى بيروت تباعًا الموفد البريطاني ريتشارد مور ثم الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السفير حسام زكي الذي يجول على المسؤولين. وما بين الزيارات الخارجية، تكثفت الحركة الدبلوماسية في اتجاه بعبدا لاسيما من الجانب الأممي إذ زار المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان السفير يان كوبيش قصر بعبدا تباعًا كما سفراء الدول القريبة من لبنان، من روسيا إلى الفاتيكان لاستطلاع جديد رئاسي يأملونه حكوميًا وتركزت نصائحهم على ضرورة تشكيل حكومة سريعًا.
الدخول الدولي على الخط اللبناني، كما تقول مصادر سياسية مواكبة لـ”المركزية” ليس هدفه التدخل المباشر في الأزمة أو دعم فريق ضد آخر، على رغم أن بعض المواقف لاسيما من الجانب الروسي عبّر بوضوح عن خياره، استنادًا إلى سلسلة مواقف السفير في بيروت ألكسندر زاسبيكين الذي عكس اصطفافًا مباشرًا إلى جانب السلطة، بتأكيده أن بلاده لا ترحب بخطوات الحراك ووجوب أن يكون لـ”حزب الله” ممثلون في الحكومة، وهو كلام لم يقله أي من ممثلي دول الخارج بمن فيهم الأميركي. فالخارج المهتم بلبنان، لمس مدى الخطورة التي بلغها الوضع وعدم تبدّل “ستاتيكو” تمترس كل طرف على جبهته، تحرك لإبلاغ رسالة واضحة إلى المسؤولين عنوانها شكلوا الحكومة سريعًا لوقف استمرار الانزلاق نحو التدهور خصوصًا المالي لأنه يؤدي إلى الفوضى التي سيدفع ثمنها الجميع وأولهم من في السلطة.
وتعرب المصادر عن اعتقادها أن بين الضغط الخارجي والتدهور الاقتصادي والمالي وبعد سقوط ورقة ترهيب الثوار بالفتنة والتهويل على رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بطرح أسماء بديلة رد عليه ببيان “ليس أنا بل أحد غيري لتشكيل الحكومة”، وعدم القدرة على تشكيل حكومة اللون الواحد نسبة لتداعياتها، بات المسؤولون أمام حائط مسدود، لم يعد من إمكان لثقبه إلا بالعودة إلى التفاهم مع الحريري وتشكيل حكومة إنقاذ تلبي متطلبات المرحلة ومطالب الشعب في آن.
وتشير إلى أن حتى ورقة الاتهامات التي وُجهت للحريري بعدم تصريف الأعمال سقطت بدورها بعدما رد عليها بـ”القيام بالواجب وفق ما يقتضي الدستور”. وتبعا لذلك، تعتبر المصادر أن “جديدا لا بد أن يبرز في الأيام المقبلة نتيجة بدء تكوّن قناعة تدريجًا لدى “الثنائي الشيعي” والتيار “الوطني الحر” وسيد العهد بأن لا درب إنقاذيًا سوى بتسمية الحريري لرئاسة الحكومة وسحب الشروط المفروضة عليه في التشكيل، لأن خلاف ذلك سيؤدي بالبلاد إلى الخراب والدمار والفريق الحاكم سيكون أول المتضررين، فهل يترك الأمور تسلك هذا الاتجاه؟