Site icon IMLebanon

هل تَأَخّر انفجارُ الوضع اللبناني و… إلى متى؟

 

تشعر أوروبا بالقلق من الأزمة السياسية اللبنانية وإمكان تَمَدُّدِها إلى مواجهةٍ أهلية، حتى ولو كانت الأهداف الأوروبية الإستراتيجية لا تختلف كثيراً عن الأميركية، لأن أي حرب في لبنان ستؤدي إلى تدفّق النازحين إلى القارة الأوروبية، ومع ذلك فإن التوصل إلى اتفاقٍ في شأن شكل الحكومة المقبلة ليس بالأمر السهل.

وتعتقد مصادر مطلعة في بيروت، أن تشكيل الحكومة الجديدة قد يحتاج لأشهر كما حدَث مع الحكومات السابقة، من دون أن تُخْفي بعض الأطراف انه ليس بالأمر السيئ انتظار نتائج الانتخابات الأميركية ومغادرة الرئيس دونالد ترامب وإدارته أولاً. ولربما تحتاج الولادة القيصرية للحكومة، والكلام للمصادر عيْنها، إلى حدَث أمني كبير! فكل المؤشرات ترجّح احتمال حدوث مواجهة أهلية محتملة في ظل غياب حكومةٍ مركزية قوية تتولى أمن البلاد وتدفعها بعيداً عن الحرب الأهلية.
والسؤال الكبير الذي يضجّ الآن في بيروت هو، هل سينجح لبنان في تَجَنُّب المواجهة الأهلية؟
في تقدير مصادر قريبة من «محور المقاومة»، أن إغلاق الطرق الرئيسية وعدم الكفاءة المتعمّدة للقوى الأمنية لم يعد سلوكاً مفاجئاً لأن مردّه إلى الطلب الأميركي من القيادة الأمنية اتخاذ وضعية المُتَفَرّج. فالطرق الرئيسية التي يجري قطْعها هي طرق انتقائية للغاية: الطرق التي تربط جنوب لبنان ببيروت وطريق بيروت – بعلبك – دمشق، وهي الأكثر استخداماً من الشيعة، حيث تغلق من جماعاتٍ في مناطق معينة ومعلومة تابعة لرئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري وحليفه النائب وليد جنبلاط.
أما إغلاق الطرق الأخرى في ضبية (شمال بيروت) على يد – حليف الحريري وجنبلاط – رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إضافة إلى طرق أخرى في طرابلس، تعتبرها هذه المصادر مجرّد حرف نظر عن الهدف الرئيسي المتمثّل في تحدي «حزب الله» وجذْبه إلى الشارع.
وتقول إن الهدف هو إثارة شيعة لبنان الذين يمثلون المجتمع الذي يحمي «حزب الله» بحيث تضغط بيئة الحزب لينزل إلى الشارع. وهذا الخيار تُدْرِكه قيادة الحزب وتتجنّبه رغم الاستفزازات، فهي تعلم أن المطلوب هو دفعها إلى توجيه السلاح ضد المواطنين تماماً كما حصل في الخامس من مايو 2008 قبل السابع من الشهر نفسه.
وتذكّر المصادر بأنه في مايو 2008 حاولت الحكومة المدعومة آنذاك من الولايات المتحدة وقْف نظام «حزب الله» الاتصالي الخاص المتصل بألياف بصرية في دورة مغلقة تربط كل مراكز الحزب المدنية والعسكرية ببعضها البعض. وهو النظام الذي يشكل العصَب الأساسي للقيادة والاتصالات والسيطرة في أوقات السلم والحرب.
وبعدما فشل الحزب في التنبيه إلى خطورة ما تطلبه الحكومة، ذهب إلى السيطرة على العاصمة بيروت خلال ساعات قليلة وسيطر على كل المسلّحين الذين كانوا داخل مراكز محدّدة في العاصمة، وكان من المفترض أن يخرجوا لمواجهة الحزب الذي كان أسرع منهم. وذهبتْ تالياً ملايين الدولارات التي أُنفقت لهذا الغرض أدراج الرياح.
أما اليوم، فالمطلوب أن يندفع «حزب الله» كي يواجِهَهُ تَحَرُّك للأمم المتحدة بما يعطي ضوءاً أخضر لتدخل إقليمي – دولي، بحسب المصادر نفسها، والهدف ليس هزيمة «حزب الله» عسكرياً لأن الجميع يدركون مدى قوته النارية وتدريبه وخبرته القتالية التي تخشاها إسرائيل نفسها، بل المطلوب دفْعه إلى الشارع ليخسر شرعيّته الداخلية ويدفع ثمن انتصاره في سورية والعراق ودعْمه للفلسطينيين، وفق هذه المصادر.
يدرك اللبنانيون مدى خطورة الوضع وحساسيته خصوصاً في ظل عدم تدخل القوى الأمنية والجيش لمنع قطع الطرق الرئيسية. فالحِراك الحقيقي لديه أجندة محلية وقد استطاع تحقيق إنجازات ضخمة بعبوره الاصطفافات الطائفية وبحمْله علَم الفقر والتوحّد خلف المطالبة بإصلاحات حقيقية ومحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، وبأن يتحمل القضاء مسؤوليته والعمل على أخذ البلاد نحو العلمانية.
وفي اعتقاد المصادر، أن التدخل الخارجي يتكئ على المطالب المُحِقة ليُطْلِق المواجهة ضد «حزب الله». إذ يعتمد على جماعات طائفية لإشعال الشارع، ولا عجب في ذلك لأن لبنان منصة مفتوحة لكل الدول الحاضرة وبقوّة ضد «محور المقاومة». وقد حذّر قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي هذه الدول إذا «تجاوزتْ الخط الأحمر».
فإيران – التي اقترحت مشروع «الأمل» للمصالحة الإقليمية والتزمتْ بأمن الشرق الأوسط بعيداً عن التدخل الأميركي – فازت على المجتمع الدولي بمنع سقوط حكومة دمشق العام 2011 ومنْع إسرائيل من تحقيق أهدافها في لبنان العام 2006 ومنْع تقسيم العراق العام 2014.
وها هي الآن تواجه مع حلفائها مشروعا من نوع آخر وربما أقوى: سلاح «الحراك» الذي يحمل في طياته مطالب محقة ولكنه يسمح أيضاً للقوى الخارجية بإيجاد الثغر لاستغلاله على حساب حرْق الدول المعنية، أي لبنان والعراق. لقد فشل الحراك في تقديم خطة موحدة ويحاول الحريري أن ينتزع من البرلمان ما لا يحقّ له، أي إزالة خصومه السياسيين الذين يملكون الغالبية ليتربع على رأس حكومة غير سياسية وهو رئيس حزب سياسي بامتياز.
وثمة خلاصة تستنتجها هذه المصادر بقولها: لقد وصل لبنان إلى مفترق طرق لم يعد فيه تبادُل إطلاق النار بين سكانه مستبعداً، وسقوط الضحايا قد بدأ. وعلى ما يبدو فإن الدلائل تشير إلى أن لبنان يسير بخطى سريعة نحو تدمير نفسه بنفسه.