كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
لا شيء يوازي حرقة زينب فاعور على أبنائها الثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة. تخون الكلمات الأم الموجوعة بما حلّ بابنها بعد تعليق العمل بـ«مركز ليلي الشويري» التابع لـ«مؤسسة الكفاءات»، فيما ولداها الآخران مسجّلان في مؤسسة اجتماعية أخرى مهددة هي الأخرى بالإقفال. «شو بدي احكي لأحكي، ما حدا قاعد بقلبي، زتولّي اياه بالبيت وما فيني ضهّرو لمطرح والمجتمع ما بيرحم». يؤلم الوالدة أن تجد ابنها محروماً من أبسط متطلباته، مجرد مكان يحتضنه و«يأخذ فيه روحاً».
أحضرت «أم علي» صغيرها إلى ساحة الشهداء لتطالب، مع عدد من أولياء الأمور والموظفين في المراكز التأهيلية في «الكفاءات»، بحقوقهم المهدورة نتيجة تأخير كامل المساهمة المالية للدولة والالتزامات التعاقدية مع وزارة الشؤون الاجتماعية عن عام 2019.
وكان قرار تعليق العمل بمراكز الاحتياجات الخاصة في المؤسسة، الخميس الماضي، قد أربك بعض أهالي ذوي الإعاقات الشديدة بصورة خاصة، أي من يحتاج أبناؤهم إلى رعاية خاصة يصعب توفيرها في المنازل. إحدى الأمهات قالت إنها تشعر بأنّها مكبّلة، فهي عاجزة عن ترك ابنها لحظة واحدة في البيت والخروج لشراء احتياجاتها الضرورية. فيما لفتت مسؤولة العلاج بالمسرح في «مجمع القرية» التابع للمؤسسة، رلى العنداري، إلى أنّ هناك نحو 45 شخصاً، بلا أب أو أم، لا يزالون يلازمون «بيت الرعاية الدائم» لأنه، ببساطة، ليس لديهم مكان آخر يلجأون إليه.
ثمة مشكلتان تعترضان الاهتمام بهذه الفئة المهمّشة عموماً ومن غادروا «الكفاءات» خصوصاً؛ الأولى تتعلق بالمسافة التي تفصل بين المنزل ومركز التأهيل الذي يجري اختياره لرعايتهم، والذي قد يكون في بعض الأحيان غير جاهز لإيوائهم، ولا سيما في المناطق النائية، والثانية صعوبة الحالة نفسها والكلفة المرتفعة لخدمتها. وقد لا يجد البعض مراكز بديلة نظراً الى تعذر توفير الخدمة بواسطة فريق طبي ومربّين ومعالجين متخصّصين ذوي كفاءة عالية، وهذا ما حصل مع المعوّقين الذين غادروا قسراً، في بداية 2019، مركز «ميريم» التابع للكفاءات بعد إقفاله.
وفق العنداري، المشكلة ليست في توقيع العقود إنما في الانتظام والاستمرارية في الدفع واعتماد سعر الكلفة لعام 2020، بدلاً من سعر الكلفة لعام 2011 المطبق حالياً، ما يضرب عرض الحائط بالمرسوم الرقم 5734 تاريخ 29/9/1994 وتعديلاته (تنظيم وزارة الشؤون الاجتماعية) الذي ينص على إصدار سعر الكلفة بصورة أوتوماتيكية سنوياً خلال آذار من كل عام. وفي وقت تتقاضى فيه الجمعيات 18 ألف ليرة عن كل تلميذ في اليوم الواحد، فإن كلفة التلميذ، باتت تراوح بين 26 ألف ليرة و60 ألفاً، تبعاً للحالات ومدى صعوبتها، أي أنّ الدولة تدفع 685 ألف ليرة في الشهر عن تلميذ يكلّف مليوناً و300 ألف ليرة.
لحقوق الموظفين حكاية أخرى، إذ أشارت باسكال صليبا التي تعمل منذ 10 سنوات في أحد المراكز التأهيلية إلى «أننا لم نقبض رواتبنا منذ كانون الأول الماضي، أي أنه مضى عام كامل غادر خلاله المؤسسة نحو 160 معوقاً و60 موظفاً، وانتهى الأمر بأن أصبحنا جميعاً في المنزل بانتظار الإفراج عن أموالنا في وزارة الشؤون الاجتماعية». وبدا لافتاً في كلام الموظفين الانتماء إلى المؤسسة، إذ قالت صليبا «وقفنا حد الشيف (رمزي الشويري) وما زلنا لأن تاريخ المؤسسة يشهد على تغليب البعد الإنساني، فهي تقدم الخدمات الرعائية والتأهيلية بشكل مجاني تام». علي الصليمي، الموظف في قسم المنامة في أحد المراكز منذ 7 سنوات، يؤكد أنه يفتقد «أولاده» كما يسمّيهم، وينتظر أن يهرعوا إليه في أيّ لحظة. وبحسب يوما عقل، الموظفة منذ 15 سنة، لم تكن «الكفاءات» لتتخلّى عن أولادها لو لم تصل إلى حد الاختناق، فقد باتت غير قادرة على دفع الفوائد على القروض وتأمين الحد الأدنى من المواد الأولية مثل المواد الغذائية والمازوت والمستلزمات الأساسية للبقاء والاستمرارية. وأشارت عقل الى «المأساة التي حلّت ببعض أسر المؤسسة، حيث يعمل الرجل وزوجته في المؤسسة نفسها».
المعتصمون أعلنوا أنهم سيواصلون تحركاتهم، وسيعرض «نجوم الكفاءات» المسرحية التي تعذّر عرضها في ذكرى الاستقلال، الأحد المقبل، في ساحة الشهداء.