Site icon IMLebanon

كرة “المحروقات” في مرمى “الطاقة”

كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:

رمى أصحاب محطّات بيع المحروقات في لبنان الذين ينفّذون إضراباً مفتوحاً منذ الأمس، الكرة في ملعب وزارة الطاقة لإيجاد حلّ لمعضلتهم معتبرين أنهم وصلوا الى حائط مسدود. إلا أن وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني أشارت أمس في تغريدة لها على “تويتر” إلى أن “يوم الإثنين سيتمّ فضّ عروض المناقصة لاستقدام البنزين وبعد 10 إلى 15 يوماً تستورد منشآت النفط البنزين وتوزّعه 100 في المئة بالليرة اللبنانية”. ولحينه كيف سيتنقّل المواطنون إذا استمرّ الإضراب مفتوحاً كما جاء على “ذمّة” أصحاب المحطات؟

أعلنت الوزيرة البستاني أنها “تعمد منذ بداية أزمة الدولار الى بيع مادة المازوت للمواطنين بواسطة منشآت النفط بالليرة اللبنانية مئة في المئة”. ودعت المواطنين الى “عدم الوقوع في فخ التجار وعدم دفع ثمن المازوت بالدولار للشركات والتجار الذين يزعمون أنهم يدفعون ثمنها بالدولار”. لحين استيراد 150 ألف طن من البنزين 95 أوكتان الأمر الذي لا يكفي حاجة السوق بل سيشكّل سنداً لكسر الإحتكار، سيبقى اللبنانيون تحت رحمة أصحاب المحطات الذين وضعوا مصيرهم بين خيارين كما جاء في بيان صادر عنهم: “الإفلاس أو أن تقوم وزارة الطاقة والمياه بصفتها وزارة الوصاية على قطاعنا بتعديل جدول تركيب الاسعار على حصة كل من المحطة وشركات التوزيع والنقل بحيث تُعدّل هذه الحصة وفقاً لتطوّر سعر الدولار الاميركي بما يؤمّن جعالة واقعية لكل من المحطة وشركات التوزيع والنقل لتغطية فرق نسبة الـ15% التي لم تُغطَّ من خلال التعميم”.

وعلمت “نداء الوطن” من مصدر في “الطاقة” أن “الوزارة لن تُقدم على إجراء أية تعديلات في جدول الأسعار أو رفع أسعار البنزين، وأن معضلة المستوردين هي مع مصرف لبنان من خلال الإجازة لهم بتغطية 100% بالليرة اللبنانية من ثمن البضاعة بالدولار الاميركي للاستيراد بدل الـ 85%”.

وبدوره أكّد ممثّل شركات موزّعي ​​المحروقات​​ ​فادي أبو شقرا لـ”نداء الوطن” أنهم مستمرّون في إضرابهم حتى تحقيق المطالب، والمناقصة التي ستجريها وزارة الطاقة “لا تعنينا”. وردّاً على الجعالة التي يتقاضونها والبالغة 1900 ليرة أكّد انهم لا يتقاضونها بل يخسرون زيادة عنها 1000 ليرة لبنانية.

يأتي كلّ ذلك في ظلّ تذمّر اللبنانيين الذين لاحظوا في اليومين الماضيين حصول تلاعب في عدّادات بعض محطات بيع المحروقات، اذ اختلفت كمية الليترات وفقاً للتسعيرة التي كانوا يسددونها سابقاً، وهذه شكوى برسم مديرية حماية المستهلك في وزارة الإقتصاد القيّمة على مراقبة هذا الأمر.

الإضراب

وبالعودة الى الإضراب المنفّذ، فقد التزم به أصحاب محطات بيع المحروقات في لبنان والصهاريج والشركات الموزعة، إذ أقفلت كل المحطات في جميع المناطق اللبنانية، وبذلك دخل لبنان في أزمة بيع محروقات مفتوحة حتى تحقيق مطالب القطاع المحصورة بإصدار جدول تركيب أسعار وفقاً لأسعار الدولار الاميركي بما يُنصف كل العاملين في القطاع من شركات استيراد الى شركات توزيع، الى محطات البيع وأصحاب الصهاريج.

وصدر عن نقابتَي أصحاب الصهاريج والمحطات وموزعي المحروقات البيان التالي: “بعدما وصلت الامور الى ما هي عليه، رأينا انفسنا مرغمين على اعلان الاضراب العام المفتوح حتى احقاق الحق وتحقيق عدالة التسعير التي وحدها تنقذ 25 الف عائلة من الافلاس… لذلك، وبعد أن وصلنا الى الحائط المسدود واستنفدنا مطالباتنا مع كافة المعنيين واكتشفنا ان لا مجال للاستحصال على تغطية مئة في المئة من ثمن البضاعة بالدولار الاميركي للاستيراد بل فقط 85% واتضاح عدم حسم نسبة فرق الـ15% في التسعيرة من الضريبة التي تستوفيها الدولة عن كل صفيحة بنزين، فقد تحملنا لفترة شهر ونصف الخسائر الناتجة عن هذا الاهمال بدل ان تضحي وتتحملها الدولة وبتنا اليوم في وضع صعب لا يمكننا الاستمرار به”.

ورأت النقابتان أن”حلّ هذا الموضوع محصور بوزارة الطاقة والمياه فقط وفي حال عدم اقدامها على الحل سنستمر بالتوقف عن استلام وتسليم البضاعة وإقفال مؤسساتنا لانه لا يمكننا الاستمرار في هذا الواقع الصعب وقد نجد أنفسنا مفلسين خلال الاشهر المقبلة”.

وعلى صعيد الإلتزام بالاضراب سجّل في قضاء الكورة وزغرتا وعكار وصيدا والبترون وفي كسروان إقفال تام لمحطات الوقود وعلّقت خراطيم ماكينات ضخّ البنزين، في حين عمد البعض الآخر الى تغليف الآلات بأكياس النايلون التزاماً بالاضراب العام الذي دعت اليه نقابة اصحاب المحطات، وأتى ذلك بعد أن كان قد فتح بعضها صباحاً. أما في بعلبك فالتزم عدد محدود من محطات المحروقات بالإضراب في حين تعمل معظم المحطات بشكل طبيعي.

موقف معارض

وكان للإتحاد العمالي العام تعليق على إضراب أصحاب المحطات فأصدر بياناً رفض فيه “هذا الابتزاز من أي مصدر كان للمواطن سواء من تقصير الدولة وعدم تنفيذها قرار وزيرة الطاقة قبل أسبوعين باستيراد المحروقات أو من قبل الشركات التي تحتوي خزاناتها على كميات كبرى من البنزين والمازوت أو من قبل نقابة أصحاب المحطات والصهاريج التي تبتز المواطنين لزيادة جعالتها واتخاذها قرارات مؤلمة في غفلة عن الناس فتعلن فجأة وبعملية تشبه الغدر توقفها عن العمل والإضراب العام والمفتوح”.

وأدان “العمالي” هذه الجهات كافة وطالب الدولة “بالقيام بواجباتها وتأمين هذه السلعة الإستراتيجية ومن دولة إلى دولة وبشروط أقل كلفة بدلاً من تركها للشركات استيراداً وتسعيراً وتوزيعاً وبأرباح لا يعلمها إلا الله والعالمون بخبايا النهب المقونن. كما على الدولة أن تستورد الدواء والقمح وجميع السلع الأساسية وهي بذلك توفر للخزينة مئات ملايين الدولارات إذا لم يكن العدد من المليارات. كما توفر على المواطن وقف هذا الابتزاز الفاضح على مدخوله الذي يتناقص كل يوم ما يحمي ما تبقى من أسباب الحياة”.

في ظلّ هذه المعمعة، وقرار الإضراب المفتوح المفاجئ من قبل أصحاب المحطات، والذي يقع ضحيته المواطن، لم يعد بإمكان المستهلك أن يتلقّف المصائب التي تنهال عليه ليس بسبب تعنّت السياسيين في عدم تشكيل حكومة و”إمساك” المصارف بأموال المودعين فحسب، بل بسبب الإحتكارات في السوق حيث يمدّ المحتكرون أيديهم على لقمة عيش الفقير وخبزه اليومي وتنقلاته، علماً أن هؤلاء غير قادرين على الإقفال لفترة طويلة وعدم تصريف مخزونهم وتحصيل الأموال لفترة طويلة في زمن الشحّ و”التعتير” في السيولة.