غداة “مجزرة” الناصرية والصدامات العنيفة التي وقعت بين قوات الأمن والمتظاهرين في المدينة، وأدّت إلى سقوط 32 شخصا، وأكثر من 200 جريح، دعا المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني في خطبة الجمعة، مجلس النواب العراقي (البرلمان) إلى سحب الثقة من الحكومة، إثر موجة الاحتجاجات والعنف، محذرا من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية.
وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله أحمد الصافي في كربلاء، إن “مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة، مدعوّ إلى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق، والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه إلى دوامة العنف والفوضى والخراب”. كما حث المحتجين العراقيين على الحفاظ على السلمية ورفض كافة أشكال العنف، محذراً من انزلاق العراق إلى الحرب الأهلية أو العودة إلى الاستبداد.
واعتبر ان التسويف والمماطلة سيكلفان العراق ثمنا باهظا ويجهضان الإصلاحات، مضيفا “مجلس النواب الذي انبثقت منه الحكومة الراهنة مدعوّ الى أن يعيد النظر في خياراته بهذا الشأن ويتصرف بما تمليه مصلحة العراق والمحافظة على دماء أبنائه، وتفادي انزلاقه الى دوامة العنف والفوضى والخراب”. وأكد “مرة أخرى حرمة الاعتداء على المتظاهرين السلميين ومنعهم من ممارسة حقهم في المطالبة بالإصلاح”. وأضاف “على المتظاهرين السلميين أن يميّزوا صفوفهم عن غير السلميين ويتعاونوا في طرد المخربين. أيا كانوا ـ ولا يسمحوا لهم باستغلال التظاهرات السلمية للإضرار بممتلكات المواطنين والاعتداء على أصحابها”.
موقف السيستاني، صاحب التأثير الهائل على الرأي العام لاسيما في جنوب العراق حيث يتركز الشيعة، ليس الاول من نوعه، وفق ما تقول مصادر دبلوماسية لـ”المركزية”. اذ سبق ان أكد في خطب سابقة، بأن البلد “لن يكون ما بعد هذه الاحتجاجات، كما كان قبلها في كل الأحوال، فليتنبهوا إلى ذلك”. وشدد المرجع الشيعي الأعلى على ضرورة إسراع مجلس النواب بإقرار الإصلاحات للتوصل إلى انتخابات تعكس إرادة الشعب، مظهرا وقوفه إلى جانب مطالب المحتجين، وداعياً إلى عدم استخدام العنف.
ويبدو ان دعوات السيستاني الذي أعلن مرارا على مر الاسابيع الماضية، منذ انطلاق الانتفاضة الشعبية ضد الطبقة السياسية، رفضه التدخلات الخارجية، من اي جهة اتت، في الشؤون العراقية، غامزا من قناة الجمهورية الاسلامية الايرانية، يبدو ان دعواته بدأت تفعل فعلها. فقد قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي اليوم “سأرفع إلى مجلس النواب كتابا رسميا بطلب الاستقالة من رئاسة الحكومة”، مشيرا الى “انني سبق وطرحت خيار الاستقالة علنا وفي المذكرات الرسمية”. في حين اعلن مدير مكتبه محمد الهاشم استقالته.
فإذا فعل ورمى استقالته في ملعب البرلمان، تبقى معرفة اذا كان الاخير سيستمع الى نداءات السيستاني والشعب المنتفض، فيوافق على هذه الاستقالة، حقنا للدماء ومنعا لتدهور الاوضاع الميدانية والمعيشية والسياسية، أكثر، في بلاد الرافدين.
وكان إحصاء لرويترز بناء على مصادر من الشرطة ومصادر طبية، أظهر أن عدد قتلى الاحتجاجات المناهضة للحكومة العراقية والمستمرة منذ أسابيع بلغ 408 قتلى على الأقل معظمهم من المتظاهرين العزل. وقالت مصادر مستشفيات إن عدة أشخاص توفوا متأثرين بجراح أصيبوا بها في اشتباكات أمس الخميس مع قوات الأمن في مدينة الناصرية الجنوبية ما يرفع عدد القتلى هناك إلى 46 على الأقل وإلى 408 في شتى أنحاء العراق منذ أول تشرين الأول.