كتبت رحيل دندش في “الاخبار”:
تنطوي نهاية الشهر الجاري على كثير من الاستحقاقات مع استمرار انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار وتخطّيه عتبة الـ 2300 ليرة قبل ظهر أمس. إلى إقفال مؤسسات كثيرة وتسريح عاملين وخفض رواتب آخرين، فضلاً عن ارتفاع الأسعار وخسارة الرواتب أكثر من ثلث قوتها الشرائية، طفت على السطح مشكلة بدلات الإيجارات السكنية مع بروز خلافات بين المستأجرين والمالكين الذين يطالبون بالدفع بالدولار أو بما يوازيه وفقاً لسعر الصرف غير الرسمي. ويمكن تصوّر حجم المشكلة عندما نعلم أن «نحو 40 إلى 50 في المئة من سكان العاصمة وضواحيها مستأجرون» وفق الباحثة المدينية في «استوديو أشغال» نادين بكداش.
عملياً، بات المالكون في وجه المستأجرين فيما تقف الدولة متفرجة. نتحدث هنا عن فقراء في مواجهة فقراء. إذ إن المالكين، في غالبيتهم، من متوسطي الحال أو فقراء يعتاشون من إيجار شققهم، ومنهم من لا مردود لهم سواها.
قبل سنتين، انتقلت لطيفة م. للاستقرار في البقاع بعدما أجّرت شقتها في الضاحية الجنوبية مقابل 400 دولار شهرياً. العقد وُقّع مع المستأجر بالعملة اللبنانية عندما كان الدولار يساوي 1500 ليرة. اليوم بات الوضع مختلفاً، وحال لطيفة كحال الكثير من المالكين ممن يعتاشون من هذه البدلات، إذ خسر الإيجار نحو ثلث قيمته في مقابل الارتفاع المتواصل للأسعار والذي يبدو بلا سقف ولا نهاية.
في المقابل، تكثر شكاوى المستأجرين الذين يقيمون بين نار فقدان رواتبهم جزءاً كبيراً من قوتها الشرائية ونار مطالبات أصحاب المأجور بمستحقاتهم بالدولار أو بما يوازيها وفق سعر الصرف في السوق الموازي، ما يعني زيادة مفاجئة بنسبة تبلغ نحو 40 في المئة! «من أين نأتي بالدولار ورواتبنا بالليرة؟»، يسأل رامي ع. إذ إن إيجار الشقة التي يقيم فيها يبلغ 450 دولاراً (675 ألف ليرة وفق السعر الرسمي)، فيما يطالبه صاحب الشقة بالدفع بالدولار أو بما يوازيه بالليرة وفق أسعار الصرافين (نحو مليون ليرة). بعد مفاوضات للتوصل الى حل وسط «لأننا معاً نعاني من الأزمة نفسها»، انتهى الأمر بقرار المستأجر وضع الإيجار في عهدة الكاتب بالعدل، وبطلب صاحب الشقة منه مغادرتها.
الحالات المماثلة كثيرة بعدد المستأجرين والمالكين، وبعضها أكثر تعقيداً، ما ينذر بأزمة اجتماعية ضخمة لا أحد قادر على التكهن بمآلاتها. ورغم تسجيل حالات تضامن من قبل كثير من المالكين مع المستأجرين «لأن الأزمة واقعة على الجميع!»، إلا أن ما يبقى فاقعاً هو أن «الدولة تركت المستأجر بوجه المالك» بحسب بكداش، مشيرة إلى عدم وجود سياسة سكنية تحمي حقاً أساسياً للمواطن وهو حق السكن، فيما المستأجرون «هم الفئة الاجتماعية الأكثر هشاشة من ناحية ضمان السكن واستدامته في الأحوال العادية، وخصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن أسعار الإيجارات في لبنان تعدّ من الأغلى في العالم لدى مقارنتها مع الحد الأدنى للأجور والخدمات المتوفرة في المساكن».
ما الذي يمكن فعله إزاء هذه الأزمة؟ ترى بكداش أن «لا حل سوى بالتضامن بين الناس لاجتياز الأزمة. أما في حال استمرار الخلاف، فعلى المتضرر رفع دعوى أمام القضاء». وتشير إلى أن «واحداً من الإجراءات التي قد تساهم في تخفيف الأزمة هو أن تفرض الدولة ضرائب على أصحاب الشقق الشاغرة، ما قد يزيد فرص العرض في السوق ويخفض بدلات الإيجار»، و«ضرورة تدخّل المشرّعين لحماية السكّان والمالكين معاً واحتساب الإيجارات على أساس مداخيل الطرفين، تحقيقاً للعدالة ولحماية حقوق الطرفين، وتفادياً لتكرار سيناريوات الإيجارات القديمة بعد انهيار العملة عام 1984».
رئيس «تجمع المحامين للطعن وتعديل قانون الإيجارات» المحامي أديب زخور أكد لـ«الأخبار» أنه «لا يحق لأي كان ومن ضمنهم المالكون رفض التعامل بالليرة، بحسب المادة 192 من قانون النقد والتسليف التي تنص على إلزامية قبول العملة اللبنانية تحت طائلة عقوبة الحبس والغرامة (السجن من 6 أشهر إلى 3 سنوات، وغرامة تتراوح بين 500 ألف ليرة ومليونين). وأوضح أن المادتين 7 و8 من القانون نفسه «تنصان على أن الأوراق النقدية لها قوة إبرائية شاملة على كافة أراضي الجمهورية اللبنانية، وبالتالي يمكن تسديد بدلات الإيجار بالليرة وفق السعر الرسمي لصرف الدولار، حتى لو كانت بعض عقود الإيجار (قديمة أو جديدة) منظّمة بالعملة الأجنبية». وفي حال رفض المالك القبض بالليرة، «يستطيع المستأجر أن يودع بدلات الإيجار لدى كاتب بالعدل (حيث يقع المأجور) على أن ترفق بإفادة من جمعية المصارف أو أي مصرف عن السعر الرسمي لصرف الدولار».
عودة إلى الضيعة؟!
يؤكد وسطاء عقاريون أن كثيراً من الشقق المؤجّرة بدأت تخلو من مستأجريها. وسجل أمس إخلاء أكثر من 20 شقة مستأجرة في جبل البداوي في طرابلس، بسبب إصرار أصحاب الشقق على تسلّم قيمة الإيجار بالدولار، علماً بأن المستأجرين من جنسيات متعددة وفق ما أفاد مندوب «الوكالة الوطنية للإعلام».
أين سيذهب المستأجرون؟ بحسب الوسيط العقاري دانيال صالح، ثمة احتمال من اثنين: إما العودة إلى القرى لعدم القدرة على سداد بدلات الإيجار، علماً بأنه لا أرقام حتى الآن تحصي العائدين، فيما ازداد الطلب على الشقق الأرخص. ويوضح أن هذه «المرة الأولى التي يكون فيها بحوزتي 50 شقة فارغة للإيجار في ضواحي بيروت، فيما كان العدد في أسوأ الحالات سابقاً لا يزيد على 15 شقة». وأشار، من جهة أخرى، إلى أن بعض الإيجارات تراجعت في بعض المناطق بنحو 200 دولار بسبب كثرة العرض.