يراوح لبنان فوق ما يشبه «برميلَ البارود» فيما السلطةُ وكأنّها تلهو بـ «قنبلةٍ» يزداد فتيلُها اشتعالاً، وباتت مكوّناتُها المتفجّرة، وقوامُها الأزمة السياسية – الحكومية المقفلة والواقع المالي – الاقتصادي الذي «ينازع»، أقرب إلى «وصْفة خرابٍ» ما لم يتم تفكيك المأزق وصواعقه سريعاً عبر مَخارج تُوائم بين تطويع حسابات أطراف الائتلاف الحاكم وبين مطالب الانتفاضة الشعبية العصية على الكسْر منذ 44 يوماً.
وأمس، تَأكّد المؤكّد لجهة أن الاستشارات النيابية «الموعودة» لتكليف رئيسٍ للحكومة العتيدة «طارتْ» إلى موعدٍ لم يُحدَّد في ظل استمرار «مطْحنةِ» إسقاط الأسماء المرشّحة الواحد تلو الآخَر (وآخرها سمير الخطيب) و«صمودِ» المعادلة التي يشكّل «حزب الله» رافعتَها الأساسية وتقوم على أن لا حكومة من دون رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري رئيساً لها أو يكون «الناخب» الأوّل فيها عبر تزكية مَن ينوب عنه في هذه المهمّة.
وعَكَس هذا الدوران في الحلقة المفرغة أن الأزمةَ الحكومية مرشّحةٌ إلى المزيد من جولات «عضّ الأصابع» في ظلّ الحساباتِ الدقيقة التي تتحكّم حتى الساعة بأي خيار من نوع الذهاب إلى حكومة «المواجهة» أي التي لا يترأسها الحريري أو يوفّر لها الغطاء بتزكيةِ رئيسها ومشاركة «تيار المستقبل» فيها، كما بالإصرار على رفْض خروج الحريري من سباق التكليف والتأليف ومواصلة الضغط عليه للقبول بحكومةٍ تكنو – سياسية بشروط «حزب الله» وفريق الرئيس ميشال عون.
ولم تظهر في الساعات الماضية أي مؤشرات إلى استعداد الحريري، للتراجع عن شروطه المتمحورة حول تأليف حكومة تكنوقراط، ورفْض تغطية تشكيلةٍ (لا يترأسها) تكنو – سياسية يعود إليها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ويكون الوزراء الاختصاصيون فيها من ضمن محاصصةٍ حزبية.
وإذ تقاطعتْ المعلوماتُ عند سقوط اسم الخطيب لرئاسة الحكومة بعدما اعتُبر امتناع الحريري عن إصدار أي موقف بعد الاجتماع به الأربعاء، بمثابة عدم تزكيةٍ له، عادتْ مصادر فريق عون للكلام عن أن التوافق على اسم معيّن لرئاسة الحكومة لم يحصل بعد عازيةً إرجاء الاستشارات إلى طلب الكتل البرلمانية مزيداً من التشاور، في حين أعطى «حزب الله» إشاراتٍ قوية بدت برسْم زعيم «المستقبل» وصوّبت على ممانعته تأليف حكومة تكنو- سياسية أو تأمين الغطاء لها، وهو ما تجلى في موقفين:
* الأول بلسان نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم الذي أكد أنّه «لم يعد مقبولاً المراهنة على لعبة الوقت والضغط لتشكيل الحكومة، فخيارات الحلّ المتاحة معروفة ومحدودة وليست مفتوحة، لذا لا بدّ من المبادرة إلى حسم خيار تسمية رئيس الحكومة وتشكيلها».
* والثاني لكتلة نواب الحزب التي دعت «إلى تشكيل حكومة منسجمة ومتفاهمة ذات منهجية جديدة في إجراءاتها»، معتبرة «ان ترؤس مثل هذه الحكومة لا يجوز أن يخضع لأي حسابات بعيداً عن مصلحة الوطن»، داعية الجميع إلى «الابتعاد عن أساليب المناورة في نسج المواقف التي تفاقم الأزمة وتزيد من مخاطرها».
وفي موازاة ذلك، ازدادت ملامح الإحاطة الخارجية بالأزمة اللبنانية التي لا يمكن فصْل بعض جوانبها عن الوقائع الاقليمية. فبعد التحرك الأميركي – الأوروبي – الأممي، حضرتْ الجامعة العربية إلى بيروت في أول إطلالة على المأزق المتمادي، وذلك عبر الأمين العام المساعد السفير حسام زكي الذي أكد الحرص على استقرار لبنان وسلمه الأهلي.
وفيما بدا واضحاً أن زكي جاء في مهمة استطلاعية أكثر منها في إطار مبادرة حلّ جاهزة، فقد عكست مواقفه المعلنة أمران: أوّلهما حجم التعقيدات التي ما زالت تعترض إحداث كوة في جدار الأزمة وهو ما عبّر عنه قوله بعد زيارة رئيس البرلمان نبيه بري «الوضع السياسي مأزوم والدخول على خط التسوية السياسية ليس سهلاً وهناك تمسك واضح من كل الأطراف بمواقفها الأساسية». والأمر الثاني خشية الجامعة من آفاق الواقع «وتطوراته التي لها دائماً لها تبعات وارتدادات ومنها اقليمية»، وهو ما عكسه قوله بعد زيارة الحريري «نشعر بالقلق حيال الوضع في لبنان لانه تتجمع فيه عناصر الأزمة السياسية والوضع الاقتصادي الحرج، وأيضا حراك الشارع».
وكان عون أبلغ إلى زكي «انه يواصل جهوده لتحقيق تفاهم حول الحكومة الجديدة»، معتبرا «ان الوضع الراهن لا يحتمل شروطا وشروطاً مضادة»، لافتاً الى «أن الدعم العربي للبنان يجب ان يترجم في خطوات عملية لاسيما بالنسبة الى المساعدات لمعالجة الوضع الاقتصادي المتردي».
وترافقت جولة زكي مع حركة متجدّدة للمنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيش الذي وضع عون وبري في أجواء جلسة مجلس الأمن حول تنفيذ القرار 1701، فيما نقلت «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر ديبلوماسية أن كوبيش «متمسّك بطرح مؤتمر دولي لمساعدة لبنان يعقد في باريس لما فيه من فرص للنهوض ولكن بعد تشكيل الحكومة و«أن الحركة الاممية تتركز على التنسيق بين الدول المهتمة بمساعدة لبنان، اي فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا على ألا يُلْغي ذلك التواصل مع روسيا»، مشيرة الى أن «الاتصالات لم تنقطع بين موسكو وواشنطن في شأن لبنان حتى في ظل التباين في شكل الحكومة والموقف من حزب الله».
ولم تحجب الحركة الديبلوماسية الأنظار عن الوضع المالي الذي تتزايد مؤشرات انزلاقه نحو الأسوأ. وقد تقاطعت أمس مجموعة إشارات بالغة السلبية ليس أقلّها تسجيل سعر تَداوُل الدولار في السوق الموازية (لدى الصرافين) 2300 ليرة، وذلك عشية الإضراب الذي ينفّذه قطاع الصيرفة اليوم «رفضاً للاتهامات التي تصوّب علينا في محاولة يائسة لتحميلنا وزر الأزمة».
ويترافق هذا التطور مع استمرار الإضراب المفتوح والمفاجئ لمحطات الوقود وموزّعي المحروقات ربْطاً بأزمة شح الدولار، فيما تتزايد مظاهر الغضب من الإجراءات الصارمة للمصارف حيال إدارة السيولة الشحيحة والتقنين القاسي في السحوبات بالدولار والتحويلات إلى الخارج، وسط تحوُّل مصرف لبنان هدفاً للمنتفضين احتجاجاً على سياساته النقدية.