كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:
لبنان بلد مفلس! ليس المقصود هنا الإفلاس الماديّ لأننا وعلى رغم ما نمرّ به لا نزال نملك موقعاً جغرافياً مميزاً، وطاقات بشرية وثروات طبيعية. بل إنّ المقصود هو الإفلاس السياسي بفعل العجز عن القيام بأي مبادرة لتخطّي الأزمة، إضافة إلى “نفاد” الثقة من معظم الطبقة الحاكمة الفاسدة والتي جعلت من الاقتصاد اقتصاداً منهوباً ومنكوباً بفعل نظام المحاصصة والاحتكار.
في العادة، تنعدم “الثقة” نتيجة التراكمات والتلاعبات التي أتقنتها على مدى أعوام “قوى الاحتكار”، والتي تُرجمت إنخفاضاً بالنمو وزيادة في التفاوتات وتراكم الديون، وذلك طبعاً على حساب “قوى الانتاج”. وعليه، لم يتمكن الاقتصاد الريعي من تحقيق أي نتائج حيثُ طُبع هذا الواقع في أذهاننا حتى بات نمطاً لا بل جزءاً من ذاكرتنا الجماعية.
بعد انهيار سعر الصرف، انفتحت احتمالات كثيرة وتفكّكت كل قواعد اللعبة وتغيرت. فتثبيت سعر الصرف الذي كلفنا الكثير على مدى 25 عاماً، من شأنه اليوم أن يؤدي الى نسب تضخم غير مسبوقة. لكنّ الابرز اليوم يبقى النتيجة التي سيؤول إليها شدّ الحبال ما بين القطاع المصرفي والقطاعات الانتاجية كافة، بعدما أوقفت المصارف التسهيلات المصرفية، المترافقة مع تقييد التحويلات، والتي كانت قوى الانتاج تتّكل عليها لتتمكن من الاستمرار في ظل الظروف الصعبة!
تدابير “تخنق” الإنتاج
“ليس قطاع الانتاج في صراع مع القطاع المصرفي بل إنّ الوضع صعب على الجميع من دون استثناء. هناك أزمة ثقة انعكست على المستويات كافة والسبب في ذلك عائد الى التدابير التي فرضتها المصارف والتي تحجب السيولة بموجبها، والتي تخنق قطاع الانتاج. لطالما قلنا إن لبنان بلد الفرص والقدرات وعليه أن يرتكز أكثر على القطاعات الانتاجية لتكبير حجم الاقتصاد وخلق فرص عمل. هذه كانت مطالبنا منذ العام 2015، عندما أطلقنا رؤية اقتصادية اجتماعية للنهوض بالبلاد. رغم كلّ ما يحصل، لسنا بلداً مفلساً بل إن المشكلة تكمن في انعدام الثقة التي بدأت مع خفض تصنيف لبنان الائتماني واستمرت مع التداعيات التي ترافقت مع التصنيف السيئ”، يوضح رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل.
ويضيف: “لقد أدّى القطاع المصرفي دوراً أساسياً في الاقتصاد الوطني ونحن لا ننكر هذا الدور، لكننا غير راضين عن التدابير الاخيرة التي تحدّ من القدرات الانتاجية. لذا لا بدّ من اتّخاذ خطوات تُعيد الحركة الى قطاعنا الصناعي والانتاجي وفي الوقت عينه تساهم في استعادة الثقة وبالتالي تحسين تصنيف لبنان الائتماني الذي ينعكس مباشرة على كلفة الفوائد التي تشكل 6 مليارات دولار. بالحديث عن الثقة لا بدّ من العودة الى العام 2009، ففي وقت أرخت فيه الازمة الاقتصادية العالمية بثقلها على العالم أجمع، حافظ لبنان على مكانته ما سمح بتدفق الودائع اليه، وما أتاح تالياً امكانية تعزيز النمو الذي بلغ 10% في تلك الفترة. لذا، فإنّ المهم إعادة ترتيب للأولويات لأن الخطر الذي يحاصرنا يتزايد في ظل نقص المواد الاولية. وهنا أتوجّه الى القطاع المصرفي بالقول إنه إذا أقفل عدد من المصانع أبوابه، فذلك يعني المزيد من الازمات الاجتماعية وحتى الاقتصادية التي سترتد مباشرة على المصارف، باعتبار ان الجميع من أصحاب عمل وموظفين على حدّ سواء، لديهم استحقاقات لهذه المؤسسات المالية”.
صراع مع السلطة
من جهته، يُشدّد رئيس تجمّع رجال الاعمال فؤاد رحمة في اتصال مع “نداء الوطن” على أن “ليس هناك أزمة بين قطاع الانتاج والمصارف بل إن الصراع الحقيقي هو بين الشعب والطبقة السياسية التي لا تبالي. نحن في حافلة تسير باتجاه المجهول بلا سائق يسيطر على مسارها. يطالب الكلّ بالمطالب عينها لذا فلا إمكانية لإعادة بناء حياة اقتصادية إلا ان تألفت حكومة فعّالة تنال الثقة؛ ثقة الشعب والمجتمع الدولي على حد سواء. لا بدّ من الاشارة الى أن حالة الهلع الحاصلة والتخوف من انهيار مالي أضاع تصويب البوصلة لتبدو الازمة وكأنها ما بين قطاع الانتاج والقطاع المصرفي”.
ويضيف: “لقد ساهم كل من هذين القطاعين المتكاملين بنمو الناتج المحلي من 5.5 مليارات دولار في التسعينات الى 56 مليار دولار اليوم، رغم منظومة الفساد المستشرية وتعاقُب حكومات بعيدة كل البعد عن الاقتصاد، وقد تحقق ذلك بالتعاون مع القطاع المصرفي الذي ساهم في تطوير البنية الاقتصادية. لقد أدّى انعدام دور السلطة النقدية الى خلق حالة هلع ارتفعت نسبها جرّاء غياب الضوابط والقيود. كل مودع أو صاحب حساب جارٍ حرّ بسحب أمواله وفي الوقت عينه المصارف متخوفة من خسارة سيولتها، لا سيّما وأنّ الكتلة النقدية تبخرت من السوق بسبب حالة الهلع. لكن كل الامور ستعود الى مسارها فور تشكيل حكومة جديدة”.
رغم الاوضاع القاتمة التي لا تنذر بالخير، تختلف وجهات النظر لدى قراءة الواقع السوداوي. لكنّ الحقيقة الراسخة تتمثل في الاكلاف الباهظة التي خلّفتها سياسات البنك المركزي وهندساته والتي بدأت خطورتها تتجلّى أكثر فأكثر: فـ 60% من إجمالي أصول المصارف هي ائتمان للقطاع العام وهذا ما جعل وضع المصارف هشاً لارتباطه مباشرة بالوضع المالي للدولة. وحده قطاع الانتاج من يسدد هذه الفاتورة الباهظة بعدما امتنعت المصارف عن تأدية دورها الرئيسي كوسيط في النشاط الاقتصادي والمالي مع القطاع الخاص، بسبب تورطها لا بل انغماسها بتمويل “هدر” الحكومات المتعاقبة.