Site icon IMLebanon

هل أصبح السرطان كأي مرض آخر؟

كتبت ماريانا معضاد في “الجمهورية”:

إن أردنا اتباع التوجيهات الأميركية أو الأوروبية حول الكشف المبكر لسرطان البروستاتا، علينا حينها إجراء فحص دم مبكر لكشف هذا السرطان لكل فرد يبلغ من العمر أكثر من 50 عاماً، ولكل فرد لديه قريب مصاب بسرطان البروستاتا.

في مقابلة مع «الجمهورية»، أجاب البروفسور جوزيف مقدسي، أخصائي في أمراض الدم والأورام، وأستاذ في كلية الطب في جامعة البلمند، ورئيس قسم أمراض الدم والأورام في مستشفى القديس جاورجيوس الجامعي، عن الأسئلة التالية حول سرطان البروستاتا:

– سرطان البروستاتا هو من السرطانات التي بإمكاننا إجراء فحص دم مبكر لكشف وجود بدايته. ونذكر أنّ أنواع السرطانات التي يمكن كشف بدايتها من خلال فحص دم مبكر قليلة. وإجمالاً، نقترح على كل مريض يبلغ من العمر أكثر من 50 عاماً، ولاسيما في حال وجود سوابق في العائلة، أي إصابة أحد أو بعض الأقرباء بسرطان البروستاتا، إجراء فحص دم للبروتين التي تفرزه البروستات (أي الـPSA). وإذا كانت نسبته مرتفعة، لا يعني ذلك وجود سرطان، فلا داعي للخوف، لأنّ ارتفاع نسبة الـ PSA لا تعني السرطان، بل قد تعني التهاباً في البول، أو في البروستات، أو مشاكل في الحوض، أو غيرها من الأسباب. أما إذا كان الـPSA مرتفعاً جداً (أي أكثر من 10، فيما المعدل الطبيعي هو من الـ4 إلى 6)، توجب ضرورة اللجوء إلى تشخيص شعاعي بواسطة الموجات فوق الصوتية، ثم أخذ خزعة من البروستات وفحصها.

– أنا كطبيب متخصص أقول للقراء إنّ هذا الفحص نتائجه ليست أكيدة 100%. فنرى الكثير من حالات سرطان البروستاتا مع نتائج فحص الدم المبكر طبيعية جداً. والعكس صحيح كما ذكرنا سابقاً، إذ انّ ارتفاع نسبة الـPSA لا تعني بالضرورة وجود سرطان. إذاً ليس هذا الفحص دقيقاً. لذلك، الأطباء ينقسمون في وجهتي نظر حول هذا الشأن: منهم من يريد أن يُجري الناس فحص الدم، ومنهم من لا يكتفي بالفحص. ولكن بما أنّه فحص دم وغير مؤذٍ للفرد، نحن نطلب من المريض إجراءه.

وأضاف د. مقدسي: «عموماً، معدل عمر مرضى سرطان البروستاتا فوق الـ70 عاماً، علماً أنّ سرطان البروستاتا تطور طبيعي مع التقدّم بالسن. ولكن ثمة بعض الأشخاص يصابون بسرطان البروستاتا في سن صغيرة، في الـ45 مثلاً. وإذا كان هناك حالة مماثلة في العائلة، لا يجب الانتظار لبلوغ عمر الخمسين لإجراء الفحص. ويجب ألّا ننس أنّ سرطان البروستاتا مرض وراثي جزئياً. وأذكر هنا أنّ علاج سرطان البروستاتا الوراثي مختلف عن غير الوراثي».

– البروستاتا غدة مخبأة بين المبولة والعضو الذكري. لذا إجمالاً، ما من عوارض لسرطان البروستاتا، على عكس سرطان المبولة أو الكلى. في أغلب الأحيان، عوارض سرطان البروستاتا هي نفسها عوارض تضخّم البروستات، الذي يصيب أكثرية الرجال وهو أمر طبيعي، ويؤدي إلى صعوبة في التبول، أو الكثرة في التبول… إذاً هي عوارض بولية، وقد تكون عوارض تضخم حميد، أو عوارض مرض خبيث متضخم. لذا، لا يجب الشك في الإصابة بالسرطان كلما شعر الرجل بهذه العوارض. بل يجدر طبعاً إجراء الفحوصات اللازمة للتأكّد من أنّ الموضوع هو تضخّم حميد يحدث مع العمر، ويُعالج بالدواء. وفي الكثير من الأحيان، تتمّ إزالة البروستات لأنّ التضخم يؤثر سلباً على عملية التبول.

– إنّ التعاون بين عدة أقسام طبية ضمن فريق واحد هو الوسيلة الأفضل لتحقيق أفضل رعاية لمريض سرطان البروستاتا. أولاً، لطبيب المسالك البولية دور أساسي في التشخيص كما في العلاج في حال الحاجة إلى الجراحة. إذ عند ملاحظة عوارض في المسالك البولية، سيتوجّه المريض أولاً إلى طبيب المسالك البولية. ثانياً، للطبيب المعالج الشعاعي أيضاً دور مهم. فثمة مرضى عاجزون عن تحمّل الجراحة بسبب ضعف القلب، فنلجأ إلى العلاج الشعاعي. ثالثاً، الطبيب المعالج الكيميائي، وذلك عند بلوغ سرطان البروستاتا مرحلة متقدّمة، أي الدرجة الرابعة. رابعاً، طبيب الأشعة الذي يشخّص المرض، وأحياناً يأخذ الخزعة لزرعها. خامساً، طبيب الأنسجة، وهو الذي يراقب الخزعة تحت المجهر لتحديد نوع المرض بهدف اختيار العلاج المناسب للمريض.

التعاون إذاً بين هذه الأقسام الخمسة لإيجاد العلاج الأفضل، ليس لهذا المرض، بل لهذا المريض تحديداً، هو الأمثل. فنحن نأخذ كل مريض كحالة فريدة ونعالجه بشكل شخصي وخاص. إذ ما من مريض كالآخر، وما من مرض كالآخر. لذا لا يمكن تعميم العلاج على كل مرضى سرطان البروستاتا.

– سرطان البروستاتا المتنقل هو عندما يبلغ السرطان الدرجة الرابعة، أي ينتشر خارج غدة البروستات، ليطال الغدد اللمفاوية والعظام وغيرها. بالتعريف الطبي، لا شفاء لحالات مرض السرطان في درجته الرابعة. وتابع د. مقدسي: «هناك نوعان لسرطان البروستاتا، الأول الذي لم يعد يتجاوب مع الهرمونات، والثاني الذي لم نحاول علاجه بعد بالهرمونات.

وقد بيّنت الدراسات، أنّ العلاج الكيميائي في هذه الحالة أعطى نتائج جيدة، مع تجاوب إيجابي، ما أطال عمر المرضى. كما أظهرت دراسات حديثة منذ عام أو عامين أنّ العلاج الكيميائي أتى بنتائج جيدة جداً، حتى للمرضى الذين لم يتلقوا العلاج بالهرمونات بعد. إذا ما تبيّن هو أنّه من الأفضل لدى انتشار المرض، بدء العلاج الهرموني والكيميائي معاً، بعد أن كنا نترك العلاج الكيميائي لأوقات لاحقة. أما المراحل الأولى من سرطان البروستاتا، فالعلاج سهل جداً: إما جراحة لإزالة غدة البروستات، أو إعطاء هرمونات توقِف عمل البروستات في حال عدم قدرة المريض على تحمّل الجراحة».

وختم د. جوزيف قائلاً: «إنّ العلاج الكيميائي يثير الخوف، ولكن الخرف أيضاً مخيف، لأنّ لا علاج له. فمريض السرطان يتلقى العلاج الكيميائي لفترة معينة فقط، ولا يستمر في أخذ الدواء طوال حياته كمريض السكري مثلاً. في الواقع، نحن نقترب في مجال تقدّم علاجات السرطان من مرحلة نعتبر السرطان فيها مرضاً مثل غيره».